مُحَمَّد بن دِيْنار، وهي مُقَابلَةٌ بنُسخةِ أبي الفَتْح جُنْجُخ (١)، وذكرَ أنَّه قابَل بها كتابَ أبي عُمَر القُطْرُبُّلِيّ، وكتابًا بخطِّ أبي مُوسَى الحامِض، ونُسخةً بخطِّ أبي الحَسَن مُحمَّد بن مُحَمَّد التِّرْمِذيّ، مَنْقُولة من أصْلِ أبي بَكْر بن مُجَاهِد، وذَكرَ أبو الفَتْح أنَّه قابَلَ نُسْختَهُ بأصْل ابن الخيَّاطِ، وقابَلَ أيضًا بأصْل أبي سَعيدٍ بخَطِّهِ، قال ابنُ حُمْرَان: وقرأتُهُ على أبي أحمد عَبْد السَّلام البَصْرِي، وسَمِعْتُهُ يقْرأُ على أبي الحَسَن عليّ بن عِيسَى صاحب أبي عليٍّ".
والشَّواهِدُ في ذلك كَثيرةٌ؛ تَسْعصِي على العَدِّ، وتَخْرُجُ بنا عن الغايةِ والقَصْد.
إنَّ مَنْهَجَ ابنِ العَدِيْم التَّوثيِقيّ الصَّارِمِ هذا، هو نَمَطٌ فَريدٌ في التَّثبُّتِ والتَّحَرِّي، يَكشِفُ عن مَدى عِلْم الرَّجُل وموْثُوقيَّتِه، وهي مَدْرسةٌ في التَّأريخ تَسْتأهِلُ أنْ يُفْرَدَ لها بَحْثٌ مُسْتَقصىً.
ويَلْحَقُ بأمانَةِ النَّقلِ أيضًا حِرْصهُ على إيْرَادِ النُّصُوصِ على الهَيْئةِ الّتي وَجَدَها فيها، حتَّى وإنْ وقَع فيها التَّصْحيفُ والتَّحْريفُ، ويُنبِّهُ على ذلك بكَتْبِ عَلامَةٍ فَوقَ مَوْضِع الخَطأ، يرْسمها صادًا ممدُودةً "صـ"، أو بكَتْبِ كَلِمَة "كذا" عندما يَتَشكَّك في وقُوعِ الخَطأ، ويُنِّبِه أحْيانًا على وَجْهِ الصَّوابِ بعد انْتهاءَ النَّقْل أو بمُوازاتِه في الهَامِشِ. وقد الْتَزَمتُ في هذه النَّشْرةِ بالإشارَهِ إلى عَلَامتِه هذه في الهامِشِ حيثما وَردتْ، لأنَّها جزءٌ من مَنْهجِ الرَّجُل وثَقَافَته وفِكْره وتَنَبُّهاته.
ومن الأمْثِلةِ على إثْباتِ النُّصُوصِ كما وَجَدَها في أصُولها: نقلُهُ عن أبي عَمْرو الطَّرَسُوسِيّ، الَّذىِ سَمَّى "باب الصَّفْصَاف"، وهو أحَدُ أبْواب مَديْنة طَرسُوس، في مَوْضِعين من كاَبهِ سِيَر الثُّغُور باسْم: "باب الصَّاف"، فنَقَلَهُ ابنُ العَدِيْم على هذا الرَّسْم، ثُمَّ علَّقَ فَوْقَهُ بكَلِمَة "كذا"، أي هكذا وَجَدَهُ. وأيضًا نقله عنه في مَوْضِعين
(١) هو عبيد الله بن أحمد بن محمد (ت ٣٥٨ هـ)، من الوراقين المشهورين بجودة الخط، وصحة الكتابة.