عَبْد اللهِ بن يَحْيَى، قال: أخبَرَنا عليّ بن أَيُّوب بن الحُسَين، قال: أنشَدَنا أبو الطَّيِّب المتنَبِّي لنَفْسِه، وكان قَوْمٌ في صِبَاهُ وَشَوْا به إلى السُّلْطان، وتكذَّبُوا عليه، وقالوا له: قد انْقَاد له خلْقٌ من العَرَب، وقد عَزَم على أخْذِ بَلَدِكَ! حتَّى أوْحَشُوهُ منهُ، فاعْتَقَلَهُ وضَيَّقَ عليه، فكَتَبَ إليهِ يَمْدَحُهُ (١): [من المتقارب]
أيا خَدَّد اللهُ وَرْدَ الخُدُودِ … وقَدَّ قُدُودَ الحسَان القُدُودِ
فهُنَّ أسَلْنَ دَمًا مُقْلَتي … وعَذَّبْنَ قَلْبي بطُولِ الصُّدُودِ
قال فيها في ذِكْر المَمْدُوح (٢):
رمَي حَلَبًا بنَوَاصِي الخُيُول … وسُمْرٍ يَرِقْنَ دَمًا في الصَّعيدِ
وبيضٍ مُسَافرةٍ ما يُقِمْـ … ـنَ لا في الرِّقابِ ولا في الغُمُودِ
يَقُدْنَ الفَنَاءَ غَدَاةَ اللِّقاءِ … إلى كُلِّ جَيْشٍ كَثِيْرِ العَدِيدِ
فَوَلَّي بأشْيَاعهِ الخَرْشَنِيُّ … كِشَاءٍ أَحَسَّ بزَأْرِ الأُسُودِ
يُرَوْنَ من الذُّعْرِ صَوْتَ الرِّيَاح … صَهيْل الجِيَادِ وخَفْقَ البُنُودِ
فمَن كالأَمِير ابنِ بنْتِ الأميـ … ـرِ أَمْ (a) مَن كآبائهِ والجُدُودِ
سَعَوْا للمَعَالي وهُمْ صِبْيَةٌ … وسَادُوا وجَادُوا وهُم في المُهُودِ
أمَالِكَ رِقِّي، ومَنْ شَأنُهُ … هِبَاتُ اللُّجَيْنِ وعِتْقُ العَبِيْدِ
دَعَوْتُك عند انْقِطَاع الرَّجَا … ءِ والمَوْتُ منِّي كحَبْلِ الوَرِيْدِ
دَعَوْتُكَ لمَّا بَرَاني البِلَى … وأوْهَنَ رِجْلَيَّ ثِقْلُ الحَدِيدِ
وقد كانَ مَشْيُهُما في النِّعَالِ … فقد صَار مَشْيُهُمَا في القُيُودِ
وكنتُ مِنَ النَّاسِ في مَحْفِلٍ … فها أنا في مَحْفِلٍ من قُرُودِ
(a) الديوان بشرح العكبري ١: ٣٤٥: أو.