والغَنَم وعن زَرْعِ عدُوّه، وأنَّ رِعَاءَ الإِبِل والغَنَم ببلادهم يَسْتعملون ذلك، وهو نوعٌ من السِّحْر.
وذَكَر أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن فُوْرَجَة (a)، في كتاب التَّجَنِّي على ابن جِنِّي، قال: أخْبرَني أبو العَلَاء أحْمَدُ بن سُلَيمان المَعَرِّيُّ (١) عمَّن أخْبَرَهُ من الكُتَّابِ، قال: كُنْتُ بالدِّيْوَان في بعض بلادِ الشَّام، فأسرَعْتِ المُدْيَةُ في إصْبَع بعضِ الكُتَّاب، وهو يَبْري قَلَمَه، وأبو الطَّيِّب حاضرٌ، فقام إليهِ وتَفَل عليه، وأمْسَكها ساعةً بيده، ثمّ أرسلَهَا وقد اندملَتْ بدَمها، فجَعَل يعْجَبُ من ذلك، ويُري مَنْ حضَرَ أنَّ ذلك من مُعْجزَاته.
قال: وممَّا كان يُمَخْرِقُ (٢) به على أبيات البَادِيَة أنَّهُ كان مَشَّاءً قَوِيًّا على السَّير سَيْرًا لا غايةَ بعده، وكان عارفًا بالفَلَواتِ، ومواقع المياهِ، ومَحَالِّ العَرَبِ بها، فكان يَسيرُ من حِلَّةٍ إلى حِلَّةٍ بالبَادِيَة في لَيْلَةٍ، وبينهُما مسيرَةُ ثلاثٍ، فيأتي ماءً ويَغْسِل يدَيْهِ ووَجْهَه ورجْلَهُ، ثمّ يأتي أهْل تلكَ الحِلَّة فيُخْبرها عن الحِلَّةِ الّتي فَارَقَها، ويُريهم أنَّ الأرضَ طُويَتْ له، فلمَّا عَلَتْ سِنُّهُ رَغِبَ عن ذلك وزَهِدَ فيه، وأقْبَلَ على الشِّعْر وقد وُسِمَ بتلك السِّمَةِ.
أنْبَأنَا أبو مُحمَّد عبْد العَزِيز بن مَحْمُود بن الأخْضَر، قال: أخبَرَنَا الرَّئِيسُ أبو الحَسَن عليّ بن علىّ بن نَصْر بن سَعيد، قال: أخبَرَنا أبو البرَكَاتِ محمَّدُ بن
(a) هكذا ضبطه المؤلِّف حيثما يرد في عديد المواضع، وأبقينا عليه. وضبطه ياقوت ضبط حرف: "بضم الفاء وسكون الواو وتشديد الراء المفتوحة وفتح الجيم" (مُعْجَم الأدباء ٦: ٢٥٢٤)، وخالفهما الصفدي في تَرْجَمَتِه لمحمد بن حمد بن فورجة، وفيه بجيم مشددة. الوافي بالوفيات ٣: ٢٤، اما ابن الساعي فسمى مؤلفه: مُحمَّد بن حمد بن فُورَّجَه البروجرديّ، أبو عليّ الأديب، وذكر له كتاب: التجني على ابن جني، وكتاب الفتح على أبي الفتح، والكتابان يرد فيهما على ابن جني في تفسير شعر المُتَنَبِّي. ابن الساعي: الدر الثمين ٢١٠.