للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيَّ مَحَلٍّ أَرْتَقي؟ … أيَّ عَظيمٍ أتَّقي؟

وكُلُّ ما قَدْ خَلَقَ اللَّـ … ـهُ ومَا لَمْ يَخْلُقِ

مُحْتقرٌ في هِمَّتي … كشَعْرَةٍ في مَفْرِقي

وأخَذتُ بيعَتَهُ لأهلي، ثمّ صحَّ بعدَ ذلك أنَّ البَيْعَةَ عَمَّتْ كُلَّ مَدِيْنَةٍ بالشَّام، وذلك بأصْغَر حيلةٍ تعَلَّمها من بعض العَرَب، وهي صَدْحَةُ المَطَر؛ يَصْرفُه بها عن أيّ مكانٍ أحبَّ بعد أنْ يَحْوِيَ عليه بَعَصًا وَيَنْفُثُ بالصَّدْحَة الّتي لهم. وقد رأيْتُ كَثِيْرًا منهم بالسَّكُون وحَضْرَمَوْتَ والسَّكاسِك من اليَمَن يَفْعلُون هذا ولا يَتَعاظَمُونَهُ، حتَّى إنَّ أحَدَهُم يَصْدَح عن غَنَمه وإبلِهِ وبَقَرِهِ، وعن القَرْيَةِ من القُرَى فلا يُصِيبُها من المَطَر قَطْرَةٌ، ويكون المَطَر ممَّا يلي الصَّدْحَةَ. وهو ضرْبٌ من السِّحْر، ورأيتُ لهم من السِّحْر ما هو أعظَمُ من هذا.

وسألتُ المُتَنَبِّي بعدَ ذلك: هل دَخَلْتَ السَّكُونَ؟ قال: نعم، ووالدِي منها،

أمَّا سمِعْتَ قَوْلي (١): [من الوافر]

أَمُنسِيَّ السَّكُونَ (a) وحَضْرَمَوْتا … ووالِدَتي وكِنْدَة والسَّبِيْعَا

فقُلتُ: مِنْ ثَمَّ اسْتفادَ (b) ما جَوَّزَهُ على طَغَامِ أهلِ الشَّام (٢).

وجَرَتْ له أشياءُ بعدَ ذلك من الحُرُوب والحَبْس، والانْتقالِ من مَوضعٍ إلى مَوضعٍ، حتَّى حصَل عند سَيْفِ الدَّوْلَة وعَلَا شَأنُهُ.

قُلتُ: والصَّدْحَة الّتي أشار إلى أنَّها تَمْنَع المَطَر مَعْرُوفةٌ إلى زَماننا هذا، وأخْبَرني غير واحد ممَّن أثِق به من أهل اليَمَن أنَّهم يَصْرفُون المَطَرَ عن الإِبِل


(a) في ديوانه بشرح العكبري: الكناس، والمثبت موافق لرواية الواحدي في شرحه على الديوان ١٤٧.
(b) المقريزي: المقفي ١: ٣٧٤: استعار.

<<  <  ج: ص:  >  >>