للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُصَدِّقُني على ما أُتيْتُ به من رَبِّي؟ قُلتُ: إِي واللهِ. قال: سَأفْعَلُ، فلا تَسألْني عن شيءٍ بعدَها حتَّى آتيَكَ بهذه المُعْجِزَةِ، ولا تُظْهِرْ شَيئًا من هذا الأمر حتَّى يَظْهرَ، وانتظرْ ما وُعِدْتَهُ من غير أنْ تَسْألَهُ.

فقال لي بعدَ أيَّامٍ: أَتُحِبُّ أنْ تَنْظُرَ إلى المُعْجِزَة الّتي جَرَى ذِكْرُها؟ قُلتُ: بلَى والله، فقال لي: إذا أرْسَلْتُ إليكَ أحدَ العَبِيْد فارْكَبْ مَعَهُ ولا تَأَخَّرْ، ولا يَخْرُج معك أحَدٌ، قُلتُ: نعم.

فلمَّا كان بعد أيَّامٍ، تَغَيَّمَتِ السَّماءُ في يَوْم من أيَّامِ الشّتَاء، وإذا عَبْدُهُ قد أقْبَل، فقال: يقُول لكَ مَوْلايَ: اركبْ للوَعْدِ، فبادَرْتُ بالرُّكُوبِ معَهُ، وقُلتُ: أينَ رَكِبَ مولَاكَ؟ فقال: إلى الصَّحْرَاءِ، ولم يَخْرج معه أحدٌ غيري، واشْتَدَّ وقعُ المَطَر، فقال: بادر بنا حتَّى نَسْتَكِنَّ معه من هذا المَطَر، فإنَّهُ ينتَظرُنا بأعْلَى تَلٍّ لا يُصِيْبُه فيه المَطَرُ، قُلتُ: وكيفَ عَمِلَ؟ قال: أقبَلَ ينظُرُ إلى السَّماءِ أوَّل ما بدا السَّحاب الأسْوَد وهو يتكلَّم بما لا أفْهَم، ثمّ أَخَذَ السَّوْطَ فأدَار به في مَوضعٍ ستَنْظُر إليهِ من التَّلِّ، وهو يُهَمْهِم، والمَطَرُ ممَّا يليهِ، ولا قَطْرَة منهُ عليه، فبادَرتُ معَهُ حتَّى نظرْتُ إليهِ، وإذا هو على تلٍّ على نصف فرسَخٍ من البلدِ. فأتيتُهُ وإذا هو عليه قائمٌ، ما عليهِ من ذلك المَطَر قَطْرَةٌ واحدةٌ، وقد خُضْتُ في الماءِ إلى ركْبَتَي الفَرَس، والمطَرُ في أشَدِّ ما يكونُ، ونظَرتُ إلى نحو مائتي ذِرَاع في مثلها من ذلك التَّلِّ: يابسٌ، ما فيه نَدًى ولا قَطْرَة مَطَر، فسَلَّمتُ عليه، فرَدَّ عليَّ، وقال لي: ما تَرى؟ فقُلتُ: ابْسُطْ يدَكَ، فإنِّي أشْهَدُ أنَّك رسُول الله، فبسَطَ يدَهُ فبايَعْتُهُ بَيْعَةَ الإقْرار بنُبُوَّتِه، ثمّ قال لي: ما قال هذا الخَبِيثُ لمَّا دَعَا بِكَ -يعني عبدَهُ-؟ فشرَحْتُ له ما قال لي في الطَّريق لمَّا استَخْبرتَهُ، فقَتَل العَبْدَ، وقال (١): [من مجزوء الرجز]


(١) ديوانه بشرح العكبري ٢: ٣٤١، وذكر أنَّه قال هذه الأبيات في صباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>