للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيني وبينَهُ، وخَلَوْتُ معهُ في المَنْزل اغْتنامًا لمُشَاهَدَته، واقْتباسًا من أَدَبِه، وأعْجَبَني ما رأيتُ، قُلتُ: واللهِ إنَّكَ لشَابٌّ خَطيرٌ، تَصْلُح لمُنادمَة مَلِك كبير. فقال لي: وَيحَك! أتَدْري ما تَقُول؟ أنا نَبيٌّ مُرْسَلٌ! فظَنَنْتُ أنَّهُ يَهْزُلُ، ثمّ فكَّرتُ (a) أنّي لم أُحَصِّلْ عليه كلمة هَزْلٍ منذُ عرَفْتُهُ، فقلتُ له: ما تقول؟ فقال: أنا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، قلتُ له: مُرْسَلٌ إلى مَنْ؟ قال: إلى هذه الأُمَّةِ الضَّالَةِ المُضِلَّة. قُلتُ: تَفْعَل ماذا؟ قال: أمْلَأُها عَدْلًا كما مُلئَتْ جَوْرًا. قُلتُ: بماذا؟ قال: بإدْرَار الأرْزَاق والثَّوَابِ العَاجِل والآجلِ لمَنْ أطَاعَ وأَتَى، وضَرْبِ الأعْنَاق وقَطْع الأرْزَاق لمَن عصَى وأَبَي. فقلتُ له: إنَّ هذا أمرٌ عظيمٌ أخَافُ منهُ عليك أنْ يَظْهَر، وعَذَلْتُه على قَوْلِه ذلك، فقال بَدِيْهًا (١): [من الوافر]

أبا عَبْدِ الإله مُعَاذُ، إنّى … خَفِيٌّ عَنْكَ في الهَيْجَا مَقَامِي

الأبيات.

فقلتُ له: لِمَ ذَكَرتَ (b) أنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إلى هذه الأُمَّةِ، أَفَيُوْحَى إليكَ؟ قال: نعم، قُلتُ: فَاتْلُ علىَّ شَيئًا من الوَحْي إليكَ، فأَتَاني بكلامٍ ما مَرَّ بسَمْعي أحسَنُ منهُ، فقُلتُ: وكم أُوْحِيَ إليكَ من هذا؟ فقال: مائة عِبْرةٍ وأرْبَع عَشْرةَ عِبْرةً، قُلتُ: وكم العِبْرَة؟ فأَتَى بمِقْدَارٍ أكَبرِ (c) الآي من كتاب الله. قُلتُ: ففي كم مُدَّة أُوحِي (d) إليك، قال: جُمْلَةً واحدةً، قُلت: فاسْمَعُ في هذه العِبَرَ أنَّ لكَ طاعةً في السَّماءِ، فما هي؟ قال: أَحْبِسُ المدْرَارَ لقَطْع أرْزَاقِ العُصَاةِ والفُجَّار، قُلتُ: أتَحْبسُ من السَّماءِ مَطَرَها؟ قال: إي، والّذي فَطَرَها! أفما هي مُعْجِزَةٌ؟ قُلتُ: بَلى واللهِ. قال: فإن حَبَسْتُ عن مكانٍ تَنْظُر إليهِ ولا تشُكّ فيه، هل تُؤمنُ بيّ،


(a) يمكن أن تُقرأ أيضًا: ذكرت.
(b) المقريزي: المقفي ١: ٣٧٠: ألم تكن ذكرت.
(c) مهملة في الأصل، والمثبت موافق لما عند المقريزي.
(d) في المقفي ١: ٣٧١: الوحي.

<<  <  ج: ص:  >  >>