فأجابني بجوابٍ مُغَالِطٍ لي، وهو أنْ قال: هذا شيء كان في الحَدَاثَة أوْجَبتهُ الصُّورةُ، فاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أسْتَقْصِيَ عليه وأمسَكْتُ.
وقال لي أبو عليّ بن أبي حَامِد: قال لي أبي ونحنُ بحَلَب، وقد سَمِعَ قَوْمًا يحكُونَ عن أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي هذه السُّورة، الّتي قَدَّمْنا ذِكْرَها: لولا جَهْلُهُ، أينَ قولهُ: امْضِ على سَنَنِكَ إلى آخر الكَلَام من قَوْل اللهِ تعالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (١) إلى آخر القِصَّة، وهل نتقاربُ الفَصَاحَةُ فيهما أو يَشْتَبه الكَلَامان؟! (٢).
قَرَأتُ في نُسْخَة وَقَعَتْ إلىَّ من شِعْر أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي ذُكِرَ فيها عند قَوْله (٣): [من الوافر]
أبا عَبْد الإِلَهِ مُعَاذُ، إنّى … خَفِيٌّ عَنكَ في الهَيْجَا مَقامِي
ذكَرْتَ جَسِيمَ ما طَلَبي، وأَنَّا … نُخاطِرُ فيهِ بالمُهَجِ الجِسَامِ
أَمِثْلِى تَأْخُذُ النَّكَباتُ مِنهُ … ويَجْزَعُ من مُلاقاةِ الحِمَامِ
وما بَلَغَتْ مَشِيَّتَها اللَّيالِي … ولا سَارَتْ، وفي يَدِها زِمامي
إذا امْتَلأَتْ عُيُونُ الخَيْلِ مِنِّي … فَوَيْلٌ للتَّيَقُّظِ والمَنَامِ
وقال: قال أبو عَبدِ الله مُعَاذُ بن إسْمَاعِيل اللَّاذِقِيُّ: قَدِمَ المُتَنَبِّي اللَّاذقِيَّةَ في سَنة نَيّف وعِشْرين وثَلاثِمائة، وهو كما عَذَّرَ (a)، ولهُ وفرَةٌ إلى شَحمتي أذُنِه، وَضَوَى إليَّ فأكرمْتُهُ وعَظَّمْتُهُ، لِمَا رأيْتُ من فصَاحَتهِ وحُسْنِ سَمْتِهِ، فلمَّا تمكَّن الأُنْسُ
(a) هكذا في الأصل، ومثله في أصول المقفى للمقريزي ١: ٣٧٠، وحولها المحقق إلى: "وهو ما عذَّر"، أي لم ينبت شعر عذاره.