مَنْ كان اجْتَمع إليهِ من كَلْبٍ وكِلَابٍ وغيرهما من قَبَائِل العَرَب، وحَبَسَهُ في السِّجْن دَهْرًا طَويلًا، فَاعْتَلَّ وكاد أن يَتْلَفَ، حتَّى سُئِل في أَمره فاسْتَتَابَهُ، وكَتب عليه وَثِيْقةً أَشْهَدَ عليه فيها ببُطْلان ما ادَّعَاهُ ورجُوعه إلى الإسْلَام، وأنَّهُ تائب منهُ، ولا يُعاوِدُ مثلَهُ، وأطْلَقَهُ.
قال (١): وكان قَدْ تَلَا على البَوَادِي كَلَامًا ذَكَرَ أنَّهُ قُرآنٌ أُنْزل عليه، وكانوا يَحْكُونَ له سُوَرًا كَثِيْرةً، نَسَخْتُ منها سُورةً ضاعَتْ وبقي أوَّلُها في حِفْظِي وهو: والنَّجْم السَّيَّار، والفَلك الدَّوَّار، واللَّيْل والنَّهَار، إنَّ الكَافِر لفي أخْطَار، أمْض على سَنَنِك (a)، واقْفُ أثَرَ مَنْ كان قَبْلك من المُرْسَليْن، فإنَّ الله قامعٌ بكَ زيْغَ من أَلْحَدَ في دينهِ، وضَلَّ عن سَبيلهِ. قال: وهي طَويلةٌ لم يَبْقَ في حِفْظِي منها غير هذا.
قال: وكان المُتَنَبِّي إذا شُوْغِبَ في مَجْلس سَيْفِ الدَّوْلَة، ونحنُ إذ ذاكَ بحَلَبَ، يُذْكَر لهُ هذا القُرْآن وأمْثاله ممَّا كان يُحْكى عنه، فيُنْكِرَهُ ويَجْحَده.
قال: وقال له ابن خَالَوَيْه النَّحْوِيّ يَوْمًا في مَجْلِس سَيْف الدَّوْلَة: لولا أنَّ الآخرَ جاهِلٌ لَمَا رضي أنْ يُدْعَى بالمُتَنَبِّي، لأنَّ مُتَنبّي مَعْناه: كاذبٌ، ومَنْ رَضِي أنْ يُدْعَى بالكَذِب فهو جَاهِل، فقال له: أنا لسْتُ أرْضَى أنْ أُدْعَى بهذا، وإنَّما يَدْعُوني به مَنْ يريد الغَضَّ منِّي، ولَسْتُ أقْدِرُ على الامْتناع.
قال الخَطِيبُ (٢): قال لنا التَّنُوخِيّ: قال لي أبي: فأمَّا أنا فإنّي سألتُهُ بالأهْوَاز في سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، عند اجْتيَازه بها إلى فَارِس، في حَديثٍ طَويْل جَرَى بيننا، عن مَعْنى المُتَنَبِّي، لأنّي أرَدْتُ أنْ أسْمَعَ منه هل تَنَبَّى أم لا؟