أبو الفَتْح عُثْمان بن جِنِّي أنَّ سَبَبَهُ هو قَوْله (١): [من الخفيف]
أنَا في أُمَّةٍ تَدَرَاكَها اللّـ … ـهُ، غَرِيبٌ كصَالِحٍ في ثَمُودِ
وإنَّما هو أنَّ الخُيُوط في رأسهِ كانت تُدِيرُهُ وتُزْعجه، فتحيَّن غَيْبَةَ سَيْف الدَّوْلَة في بعض غَزَواته، وقصَدَ أعْرَابَ الشَّام، واسْتَغْوَى مِقْدَار ألف رَجُل منهم، واتَّصَلَ خَبَرُه بسَيْف الدَّوْلَةِ، فَكَرَّ راجعًا وعاجَلَهُ، فتفَرَّق عنه أصْحَابُهُ، وجيءَ بهِ أَسِيْرًا، فقال له: أنتَ النَّبِيُّ؟ قال: بل أنا المُتَنَبِّي حتَّى تُطْعمُوني وتَسْقُوني، فإذا فَعَلْتُم ذلك، فأنا أحْمَدُ بن الحُسَين، فأُعْجِب بثَبات جَأْشهِ وجُرْأَته في جَوابهِ، وحقَنَ دَمَهُ، وألْقَاهُ في السِّجْن بحمْصَ، إلى أنْ قُرِّر عندَهُ فَضْلُه، فأطلقَهُ واسْتَخَصَّهُ. ولمَّا أكثروا ذكرهُ بالتَّنَبِّي تَلَقَّبَ به كَيْلا يَصِير ذَمًّا إذا احْتَشَم أُخْفِي عنه، وشَتمًا لا يُشَافَهُ به. واسْتمرَّ الأمرُ على ما تَوَلَّى التَّقلُّبِ (a) به.
قُلتُ: قَوْل أبي الرَّيْحان: إنَّهُ تحيَّن غَيْبَةَ سَيْف الدَّوْلَة في بَعْض غَزَواته، إلى آخر ما ذَكَرهُ، ليسَ بصَحيح، فإنَّ أهل الشَّام وغيرَهُم من الرُّوَاة لم يَنْقُلُوا أنَّ المُتَنَبِّي ظهرَ منه شيء من ذلك في أيَّام سَيْف الدَّوْلَة ومَمْلَكَته بحَلَب والشَّام، ولا أنَّهُ حَبَسَهُ منذُ اتَّصَلَ به، وإنَّما كان ذلكَ في أيَّام لُؤْلُؤٍ الإخْشِيْذِيّ أمير حِمْصَ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن البَغْدَاديّ كتابةً، قال أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ (٢)، قال: وأخْبَرَنَا عليّ بن المُحَسِّن التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَني أبو عليّ بن أبي حَامِد، قال: سَمِعْتُ خَلْقًا بحَلَب يَحْكُون، وأبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي بها إذ ذاكَ، أنّه تَنَبَّأ في بَادِيَة السَّمَاوَة ونَوَاحيها، إلى أنْ خَرَجَ إليهِ لُؤْلُؤٌ أمير حِمْصَ من قِبَل الإخْشِيْذِيّةِ، فقاتلَهُ وأسرَهُ، وشرَّدَ