بالفَهْم، فأعجبَهُ شعرُهُ، واسْتَخْلَصَهُ لنَفْسِه، وأجْزَل عَطاءَهُ، وأكرَمَ مَثْواهُ، ووصلَهُ بصلَاتٍ كَثِيْرة، وسَلَّمَهُ إلى الرَّوَّاضِ فعَلَّمُوه الفُرُوسِيَّة، وصَحِبَ سَيْفَ الدَّوْلَة في عِدَّة غزَواتٍ إلى بلد الرُّوم؛ منها غَزْوةُ الفناء التي لم يَنْجُ منها إِلَّا سَيْف الدَّوْلَة بنَفْسه، وأخذَتْ عليه الرُّوم الطُّرُقَ، فجَرَّد السَّيف وحمل على العَسْكَر، وخَرَقَ الصُّفُوف ونَجَا بنَفْسه.
قرأتُ بخطِّ مُحمَّد بن علىّ بن نَصْر الكاتِب في كتابه المَوْسُوم بالمُفَاوضَة (١)، وأَخْبَرَنَا به أبو حَفْص عمر بن مُحمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد وغيره، إجَازَةً، عن أبي بَكْر مُحمَّد بن عبد الباقي الأنصاريّ، قال: أنبأنا أبو غالب بن بِشْرَان، قال: أَخْبَرَنَا ابن نَصْر، قال: حَدَّثَنِي أبو القَاسِم الرَّقِّيّ المُنَجِّم، عن سَيْف الدَّوْلَة: أنَّه انهَزَم في بعض السنين، وقد حُلِّلَت الصَّنَاديقُ عن بِغالِه في بعض دُرُوب الرُّوم، وأنَّها مَلأتِ الدُّرُوب، وكان على فَرَسٍ له يُعْرف بالثُّريَّا، وأنَّهُ حَرَّكَ عليها نحو الفَرْسَخ حتَّى نزل، ولم يَعثُر ولم يتَلَعْثم، وأخْبَرنِي أنَّه بقي في هذه السَّفْرَة في تسَعَة أنْفُسٍ أحدُهم المُتَنَبِّي، وأنَّه كان يُحَدِّث أبا عَبْد الله بن خَالَوَيْه النَّحَوِيّ حديث الهَزِيمَة، وأنَّ المُتَنَبِّي كان يجري بفَرَسه، فاعْتَلَقَتْ بِعِمَامَته طاقَةٌ من الشَّجَر المَعْرُوف بأُمِّ غَيْلَان، فكُلَّما جَرى الفرسُ انتشرت العِمَامَةُ، وتخيَّل المُتَنَبِّي أنَّه قد ظُفِرَ بِه، فكان يَصِيْح: الأمان يا عِلْج! قال: فهَتَفْتُ به وقُلْتُ: أيَّما عِلْج؟ هذه شَجَرَةٌ قد عَلِقَت بعِمَامَتِك، فوَدَّ أنَّ الأرْضَ خاسَتْ (a) به، وما سَمِعْتُه يقول ذلك، فقال
(a) كذا في الأصل وفوقه "صـ "، وكتب في الهامش: "ساخَتْ".