له ابنُ خَالَويه: أيُّها الأَمِيرُ، أفلَيْسَ قام مَعك حتَّى بقى في تسعة أنْفُسٍ؟ تكفيه هذه الفَضِيلَةُ!.
وقرأتُ في مَجْمُوعٍ بِخَطِّ بعض الفُضَلَاء أنَّه لَمَّا فَعَل ذلك، لَحقَهُ سَيْفُ الدَّوْلَة وضحك منهُ وقال له: يا أبا الطَّيِّب أين قَوْلُك (١): [من البسيط]
ولم يَزَل يَضْحَكُ منه بَقِيَّة يَوْمه في مُنْهَزَمِه.
أنبأنا أبو الحَسَن عليّ بن أبي عَبْد اللهِ بن المُقَيِّر، عن أبي عليّ الحَسَن بن جَعْفَر بن المُتَوَكِّل البغداديّ، ونَقَلْتُه من خَطِّه، قال: حَدَّثَنِي الشّيخ الإمام الفَصِيحِيُّ وقتَ قراءتي عليهِ ديوان أبي الطَّيِّب أحْمَد بن الحُسَيْن المُتَنَبِّي -وهو ابنُ عيدان السَّقَّاء- قال: قَدِمَ بعضُ الأشْرَاف من الكوفة، فدخل إلى مَجْلسٍ فيه المُتَنَبِّي، فنهَضَ النَّاسُ كُلُّهم له سوى المُتَنَبِّي، فجعَل كُلّ واحدٍ من الحاضِرين يسألُه عن الأحْوَالِ بالكُوفَة، وما تجدَّدَ هناك، فقال له المُتَنَبِّي: يا شَرِيف، كيف خلَّفْتَ الأسعار بالكُوفة؟ فقال: كل راوِيةٍ برِطْلَين خُبْز! فأخْجَلَهُ. وقصد الشَّريف أن يُعَرِّض بأنَّ أباه كان سَقَّاءً (٢).
ذكَرَ ابن فُورَجَة في التَّجَنِّي على ابن جِنّي وقال: وأمّا مَحَلُّهُ -يعني المُتَنَبِّي- في العِلم، فقال الحَسَنُ بن عليّ بن الحلَّاب (a): سمعته يقول: من أراد أنْ يُغْرب عليَّ بَيْتًا لا أعْرِفُه فليفعل، قال: وهذه دَعْوى عظيمة، ولا رَيْب أنَّه صَادِق فيها.
وأُخْبِرتُ عن أبي العَلاء بن سُلَيمان المَعَرِّيّ أنَّهُ كان يُسَمِّي المُتَنَبِّي: الشَّاعر، ويُسَمِّي غيره من الشُّعراء باسْمِهِ، وكان يقُول: ليس في شِعْره لَفْظَةٌ
(a) هكذا في الأصل، بالحاء المهملة، ولم أهتد إليهِ.