للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فاسْتَخفَّ أبا علىّ الطَّرب وقال: وَيْحَك، من قائل هذا؟ قال: الّذي يقول: قال: ونَسِي البَيْت الّذي أنشَدَه - قال: فقال أبو علىّ: أحْسَنَ والله، وأطَلْتَ أنتَ، مَنْ يكون هذا؟ قال: هو صاحبُ الطُّرْطُور الّذي يَمُرّ بكَ فتَسْتَثْقلهُ ولا تُحبّ مُحاضَرتَهُ، قال: وَيْحَك، أهذاكَ يقول هذا؟! فقال: نعم، قال أبو علىّ: والله ما ظَنَنْتُ أنَّ ذلك يأتي بخَيْر أبدًا، إذا كان في الغَد ومَرَّ بنا فاسْأَلُوه أنْ يجلِسَ إلينا لنَسْمَعَ منه، فلمَّا كان في الغَد، ومَرَّ بهم، كلَّمُوهُ وسألُوهُ النُّزُول عندهم ففَعَل، واسْتَنْشَدَهُ أبو عليّ، فملَأ صَدْرَهُ، وأحَبَّهُ وعَجِبَ منه ومن فَصَاحَته وسَعَة عِلْمِهِ، فكَلَّم عَضُدَ الدَّوْلَة فيه حتَّى أحسَنَ إليه وضَاعفَ جائزَتَهُ.

قُلتُ: وهذه الحِكايَةُ لا يَقْبلها القَلْب، ولا تكادُ تَثْبتُ؛ فإنَّ أبا عليّ الفارسيِّ كان يعرف المُتَنَبِّي قبل أن يصير بِشيْرَاز حين كانا بحَلَب.

وقد حكى أبو الفتح عثمان بن جِنِّي عن أبي عليّ الفَارِسيِّ في كتاب الفَسْر (١) ما يشهد بخلاف ما تضمَّنتهُ الحكاية: قال أبو عليّ: خرجتُ بحَلَبَ أُريدُ دار سيف الدَّولة، فلمَّا برزتُ (a) من السُّور، إذا أنا بفَارس مُتَلَثِّم قد أهْوَى نحوي برُمْح طويل (b)، فكِدتُ أطرَحُ نفسي من (c) الدَّابَّةِ فَرَقًا، فلمَّا قَرَّبَ منِّي ثَنَي السِّنَانَ، وحسَرَ لثامَهُ، فإذا المُتَنَبِّي، وأنشدني (٢): [من الطويل]

نثرت رُؤوسًا بالُأحَيْدِب منهُمُ (b) … كما نُثِرَتْ فَوْق العَرُوس الدَّراهِمُ

ثم قال: كيف تَرى هذا القَوْلَ، أحَسَنٌ هُو؟ فقُلتُ: وَيْحَك، قتلْتَني يا رَجُل!.


(a) كتاب الفسر: بدوت.
(b) زيد بعده في كتاب الفسر: وسدده إلى صدري.
(c) كتاب الفسر: عن.
(d) كتاب الفسر: نثرتهم فوق الأحيدب كُلّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>