للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ جِنِّي: فحكيتُ هذه الحكاية بمدينة السَّلام لأبي الطَّيِّب، فعَرَفَها، وضَحِك لها، وذكر أبا علىٍّ بالثَّناء والتَّقْرِيْظ بما يُقال في مثله.

وجَرَى للمُتَنَبِّي مع ابن خَالَوَيْه مثل هذه الوَاقِعَة الّتي حَكَاها أبو عليّ؛ فإنَّني نَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ الكِنَانِّي المالِكيِّ (١) من كتابه المَوْسُوم بالبِدَايَة والنِّهايَة في التَّاريخ، قال فيه: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني -وبَيَّضَ ولم يَذْكر من حدَّث أبَاهُ- قال: حدَّثني ابنُ خَالَوَيْه، وكان نَدِيْمًا ومُجَالسًا لسَيْف الدَّوْلَةِ، قال: خَرَجْتُ في بعض الأيَّام إلى ظاهر حَلَب، فقَعَدْتُ أُطالِعُ في كتاب، وأنْظُر إلى قُوَيْق، فما رَفَعْتُ رأسي إلَّا من وَقْعِ فَرَسٍ، فَنَظرْتُ، فإذا بفَارس مُسَدِّد نَحْوي رُمْحَهُ، فقُلتُ: والله ما أعرفُ بيني وبين أحدٍ من النَّاس ما يُوجب هذا ورأيت الفارس مُتَلثِّمًا، فلمَّا دَنَا حَطّ لثَامَهُ فإذا بأحمد بن الحُسَين المُتَنَبِّي، فسَلَّم علىَّ، فرددتُ السَّلام وجارَيْتُهُ الحديث، فقال: كيف رأيتَ قَصِيْدَتي التي أنْشَدتُها أوَّل أمْس الأمِيرَ سَيْف الدَّوْلَة؟ فقُلتُ: والله إنَّها لمَلِيْحَة، وإنَّ أوَّلها لا يحتاجُ إلى تمامٍ في قَوْلك (٢): [من الطويل]

على قَدْر أهْل العَزْم تأتي العَزَائم

وفيها كَذَا وكذا، فقال: ما رأيتَ إلَّا مليحًا، والّذي فيه ما سبقني إليه من أحسن فيه من ذكر الدَّرَاهِم فإنَّها لا تأتي في شِعْر إلَّا بَرَّدَتْهُ وضَعَّفَتْهُ، إلَّا ما جاءني (٣): [من الطويل]


(١) كذا في الأصل، وسكتت المصادر -ومنها كتب طبقات المذاهب- عن ذكر مذهب أسرة بني منقذ، ولم ترد إشارة إلى تمذهبهم بالمالكية أو غيره إلَّا ما ورد في سير أعلام النبلاء، في ترجمة أسامة بن مرشد، نقلًا عن تاريخ يحيى بن أبي طيء، وهو قوله: "كان إماميًّا حسن العقيدة، إلَّا أنه كان يُداري عن منصبه ويُتَاقِي". انظر سير أعلام النبلاء ٢١: ١٦٦.
(٢) ديوان المُتَنَبِّي بشرح العكبري ٣: ٣٧٨، وعجزه:
وتأتي على قَدْرِ الكِرام المكارمُ
(٣) ديوانه بشرح العكبري ٣: ٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>