أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد اللَّطِيْف بن يُوسُف بن علىّ إذْنًا، عن أبي الفَتْح محمد بن عبد الباقي بن البَطِّيّ، عن أبي نَصْر الحُمَيْدِيّ، قال: أخبرَنا غَرْسُ النِّعْمَةِ مُحَمَّد بن هِلِّل المُحَسِّن بن أبي إسْحاق الصَّابِئ، قال: وحدَّثَني رَضِيَ اللهُ عنهُ -يعني أباهُ هِلِّل بن المُحَسِّن- قال: حَدَّثَني أبو إسْحاق جَدِّي، تَجَاوَزَ اللهُ عنهُ، قال: لمَّا وَرَدَ أبو الطَّيِّب أحْمَدُ بن الحُسَين المُتَنَبِّي إلى بَغْدَاد مُتَوَجِّهًا إلى حضرة المَلِك عَضُد الدَّوْلَة بفارِسَ، أعدَّ له أبو مُحَمَّد عَشرة آلاف دِرْهَم وثيابًا كثيرةً مقطوعةً وصحاحًا، وفرسًا بمركب ليُعْطِيَهُ ذلك عند مَديحهِ له، فأخَّر المُتَنَبِّي من ذاك ما كان مُتوقّعًا منه، وحَضَر مجلس أبي محمد للسَّلام عليه الّذي لم يخلط به غيرَهُ، فغَاظ أبا مُحمَّد فعْله، وخاطَبت المُتَنَبِّي على استِعماله ما استعمل وتأخيره من خدمة الوزير ما أخَّر، فقال: لم تَجْر عادَتي بمدح مَنْ لم يتقدَّم له إليَّ جَمِيلٌ، فقُلتُ: إنَّ الوَزِير شديدُ الشَّغَف بَمْوردِكَ، ومُعْتَقد فيكَ الزِّيادَة بك على أملكَ، والامْتناع من خِدْمته إلَّا بعد الاستسْلَاف لصلته غير مُسْتَحْسن منك بل مُسْتَقْبح لك، فقال: ليس إلى مخالفة عادتي سبيل.
واتَّصَلَ ذلك بأبي محمد من غير جِهَتي، فأكَّدَ غَيْظَهُ، وأظْهَر الإمْلَال بهِ، والاطِّرَاح له، وفرَّق ما كان أعدَّهُ على الشُّعراء، وزادَهُم، مُدَّة مقام أبي الطَّيِّب، من الإحْسان والعَطَاءِ، وتَوَجَّه أبو الطَّيِّب إلى شِيْرَاز، ثمّ عاد منها، فكانت وفاتُهُ في الطَّريق بين دَيْر العَاقُول ومَدِيْنَة السَّلام، على ما شُرِحَ في أخْبَاره؛ وقد كان أبو محمد اعْتَقَد أنْ يَقْطَعَهُ بالفَعَال الجَمِيل، والحِبَاء الجَزِيْل عن قصْدِ شيْرَاز، فلمَّا جَرَى أمُرُه على ما جَرَى، تغَيَّرتْ نِيَّتُهُ، واسْتَحالَتْ تلك العزيمة منهُ.