للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندَ المُفاضِلةِ بين التَّقْديرين، يَجْدرُ التَّوقُّفُ عندَ نصِّ كَلام الشَّريفِ عِزّ الدِّين الحُسَيْنيّ، وهو قَرِيب عَهْدٍ بالمُؤلِّفِ، وكان على صِلَةٍ به، يقُولُ: "جَمعَ لحَلَبَ تاريخًا كَبيرًا وماتَ وبَعْضُه مُسَوَّدَةٌ لم يُبيِّضْهُ، ولو يَكمُلُ كانَ أكْثَرَ من أرْبَعينَ مُجلَّدًا" (١)، ونَقَلَ كَلامَهُ هذا كُلٌّ من اليُونِيْنيّ والذَّهَبيّ (في تاريخ الإسْلام) (٢)، فمُؤدَّى كَلام الحُسَيْنيّ أنَّ الكتابَ لو اكْتَملَ تَبْييضُه لجاءَ في مِثْلِ هذا التَّقْدير لا أنَّهُ كذلك في مُسَوَّدتهِ، ورُبَّما كان هذا مَنْبَعَ الخِلَافِ بنِ التَّقْدِيرَيْن.

وآخرُ الأقْوالِ في تَحْديِدِ عَدَدِ أجْزاءَ الكتاب، ما أوْرَدَهُ حاجي خَليفة في مَعْرَضِ تَعْريفِه بالكتاب، فبَعْدَ أنْ نَقَلَ كَلامَ الذَّهَبيّ (في العِبَر) وأنَّه مُكَوَّنٌ من ثلاثينَ مُجلَّدًا، قال (٣): "والبُغْيَةُ كتابٌ كَبيرٌ في عَشْرِ مُجلَّدات"!، ولعلَّه قدَّرَ المُتَبقِّي من أجْزاءَ الكتابِ ممَّا وَصَلَ لعَصْرِه تَمامًا كما فَعَلَ السُّيوطِيُّ (٤).

ويَصْعُبُ في ظلّ غيابِ التَّفْصيلاتِ تتبُّع رحلَةِ الكتاب، وما حلَّ به مُنذُ أنْ غادَرَ مُؤلِّفهُ حَلَبَ مُرْتحلًا إلى القَاهِرةِ، خاصَّةً مِع وجُودِ أوْلادِهِ على قيْد الحيَاةِ بعدَهُ، وهُم من أهْلِ العِلْم وممَّن ساروا على سَنَن وِالدِهِم في المناصِبِ الدَّيْنيَّة والتَّعليْميَّةِ، بما يَنْفي فِكْرةَ ضَياعِ قِسْمٍ من الكتابِ بعدَ وفاةِ مُؤلِّفه بقَرْنٍ من الزَّمان على أَقَلّ تَقْدير، ونَجِدُ أنَّ نُسْخَةَ الكتابِ كانتْ بين يَدي ابْنِهِ مُحَمَّد، وقَيَّد بخَطِّهِ في تَرْجَمَةِ أحمدَ بن عَبْد الدَّائم المَقْدسيّ (الجزء الثَّاني):

"تُوفِّي أحْمَدُ بن عَبْد الدَّائم بن أحْمَد بن نِعْمَة المَذْكُور في يَوْم الاثنين تاسع رَجَب سَنَة ثمانٍ وسِتِّين وسِتّمائة، بمَنْزِلةِ في سَفْح جَبَلِ قَاسِيُون، ودُفِنَ هناك عندَ


(١) الحسيني: صة التكملة ١: ٤٦٩.
(٢) اليونيني: ذيل مرآة الزمان ٣: ١٧٨، تاريخ الإسلام ١٤: ٩٣٨.
(٣) كشف الظنون ١: ٢٤٩.
(٤) بُغْيَة الوعاة ١: ٣، ذكره ضمن الكتب التي استعان بها في تأليف كتابه، قال: "تاريخ حلب للكمال بن العديم، عشر مجلدات".

<<  <  ج: ص:  >  >>