الثُّغُور الشَّامِيَّة في سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين ومَائتَيْن، ثُمَّ وَلي حَلَب وقِنَّسْرِيْن والعَوَاصِم من جهة المُعْتَمد.
وكان أبو أحْمَد المُوَفَّق مُنْحَرفًا عنه، فلم يكُن له حِيْلةَ في دَفْعه عن ذلك، ولمَّا تمكَّن أبو أحْمَد المُوَفَّق اسْتَوْحَش أحْمَد بن طُوْلُون من جِهَته، وعَقَد مُوسَى بن بُغَا لسِيْما الطَّويل على أنْطَاكِيَة، فوصَل إليها، واسْتَولَى عليها وعلى حَلَب.
وعَصَى أحْمَد بن طُوْلُون على أبي أحْمَد المُوَفَّق، وأظْهَرَ خَلْعَهُ عن ولاية العَهْد، وأخَذَ خَطّ قُضَاهَ بلاده باسْتِحقاقه لذلك، ونَزل أحْمَد بن طُوْلُون إلى حَلَب، فانْحاز سِيْمَا إلى أنْطَاكِيَة، فكاتَبهُ أحْمَد بن طُوْلُون يَدْعُوه إلى الطَّاعَة، فامْتَنع، وكان أَحْمَد إذا لاينه الإنْسَان لم يرَ منه إلَّا خيرًا، ومَنْ خاشَنَهُ قاتَله، فحينئذ حَصَرهُ في أنْطَاكِيَهَ، ونصَب عليه المنجَنِيْقات، وكان سِيْما سَيء السِّيْرَة، فراسَل أهل أنْطَاكِيَة أحْمَد بن طُوْلُون، ودَلُّوه على مَوضع فتح منه الحِصْن، فرَكِبَ سِيْمَا وقاتل حتَّى قُتِلَ وأُتي برأسه إلى أحمد، فقال أحْمَد: أمَا إنِّي كُنتُ أُحِبُّ لك غير هذا فأبيتَ، فأنا بريء من دَمك، وقد كان بينهما قبل ذلك مُرَافَقة ومُصَادقة، وكان ابن طُوْلُون راضيًا منهُ بإقامة الدَّعْوَة له فأبَى، وكان آخر قوله له: لأنْ يَلْعبَ الصِّبْيَانُ برأسي يا أحْمَدُ آثر عندي من أنْ تَلْعَب أنتَ به.
واسْتَولَى أحْمَد بن طُوْلُونَ على الشَّام جَميْعه، وجَبَى أمْواله، ولم يَحْمل شيئًا إلى المُعْتَمد، وقَطَعَ السَّبِيْل عن بَغْدَاد، وحالَ بين التُّجَّار وبين النُّفُوذ من مِصْر والشَّام إلى بَغْدَاد، ووَكَّلَ بالطُّرُق، ومنع مَنْ في ناحيته أنْ يكاتُبِوا أحدًا من أهل الأمْصَار، ومَنعَ حَمْل مال الخَرَاج بمِصْر والشَّام وقِنَّسْرِيْن والعَوَاصِم، ولُعِنَ ابن طُوْلُون على مَنَابرِ بَغْدَاد ومَكَّة.
ووَلَّى أحْمَد بن طُوْلُون حَلَب غُلَامَهُ لؤلُؤ، وكاتَبهُ أبو أحْمَد المُوَفَّق حتَّى