للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له مَالًا عَظيْمًا، وخلَع عليه خلَعًا كَثِيْرة، ورَفق بهِ وسَألَهُ أنْ يُعْلمَه ما عَسَاهُ جَرَى بعد خُرُوجه من ذِكْره، فاسْتَحلفَهُ أحْمَدُ علِىِ كتْمان ذلك فحلَفَ له، فكتَمه (a)، فخبَّره الخَبَر على حَقِيْقته، وودَّعَهُ أحْمَدُ ونَهَضَ، فرَكِبَ عُبَيْدُ اللّهِ من غَد بعد أنْ عَمِلَ ثَبتًا يحتوي على جميع ماله من عَيْنٍ ووَرَقِ وضَيْعَةٍ وخُرْثيٍّ وقُمَاشٍ وعَقَار ودارٍ ودَابَّةٍ وبَغْلٍ ومَرْكبٍ وغُلَام وآلةٍ وسَائر الأَعْرَاضِ، وجاءَ إلى المُعْتَضِد فخاطبَهُ على الأُمُور كما كان يُخاطبهُ، فلمَّا حضَر وقْتُ انْصِرَافِه، قال: أُريدُ خلَوةً من أَمِير المُؤمِنِين لمُهمٍّ عارض أذْكره، فأخْلَى مَجْلِسَهُ له، فَحَلَّ سَيْفه بينَ يَدَيْهِ ومَنْطقَتَهُ، وقبَّلَ الأرْضَ وبَكَى، وقال: يا أَمير المُؤمِنِين، اللّهَ اللّهَ في دَمِي، أَقِلْني واعْفُ عنّيّ، وَهَبْ لي الحَيَاةَ، واغْفِر لي إجْرامي، وما في نَفْسكَ عليَّ، فأمَّا ما لي فَوَاللهِ، وابْتَدَأ يَحْلَفُ بالطَّلَاق والعَتَاق وما تبعَهُ من أَيْمان البَيْعَةِ إنْ كتمتُكَ منهُ شيئًا، وهذا ثَبَتٌ بجميع ما أمْلِكُه فخُذه بطِيْبَةٍ من قَلْبِي، وانْشِرَاحٍ من صَدْريّ، باركَ اللّه لك فيهِ، ودَعْنِي أخْدُمْكَ بدَابَّةٍ واحدةٍ، فقال له المُعْتَضِد: ما بكَ إلى هذا حاجَةٌ، ولا في نَفْسي عليك ما يُوْجب هذا، فقال: الآن قد علمتُ أنَّ رأيَ أَمِير المُؤمِنِين عليَّ. فاسِدٌ إذ ليسَ يَخْرُج إليَّ بما عندَهُ فيَّ، ولا يَقْبَلُ ما بذَلْتُه، ولا يقَعُ منه عقَابٌ، وأخَذَ يلَجُّ في البُكَاءِ والتَّضَرُّع، فرقَّ له المُعْتَضِد وتغيَّظ من مَعْرفته بذلك، فقال: أَتُحِبُّ أنْ أفْعَل هذا؟ قال: نعم، قال: تَصْدُقني عن السَّبَب الّذي حملَك على هذا، فعرَّفَهُ ما جَرَى له مع أحْمَد بن الطَّيِّب، فرَضِي عنه، وحلَفَ له على ما سُرَّ به وخفَّف عن خَاطِره، ووَثَّق له أنَّهُ لا يُسِيءُ إليهِ، وأنْفَذَ في الحال، وقبضَ على أحْمَد بن الطَّيِّب، وحَبَسَهُ.

قال التَّنُوخِيّ: وقيل إنَّ السَّبَب في قَتْلهِ، أنَّ أحْمَدَ بن الطَّيِّب دَعاهُ إلى مَذَاهِب الفَلَاسِفَة والخُرُوج عن الإسْلَام، فاسْتَحلَّ قتلهُ، فلمَّا أجْمعَ على قَتْلِه، أنفَذ إليهِ يقُول له: أنتَ كُنت عرَّفْتَنا عن الحُكَمَاء أنَّهُم قالوا: لا يَجِبُ للملُوك أنْ


(a) لعلّه: فحلف به بكتمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>