يَغْضَبُوا، فإذا غَضِبُوا، فلا يَجب لهم أنْ يَرْضَوْا، ولولا هذا لأطلقْتُك لسَالف ذِمَّتُكَ وخدْمَتك، ولكن اخْتَرْ أيّ قَتْلَةٍ تُحبّ أنْ أقتُلَك، قال: فاخْتار أنْ يُطْعَم اللَّحْم المُكَبَّبَ، ويُسْقَى الشَّرَابَ العَتِيقَ حتَّى يَسْكَر، ثمّ يُفْصَد من يديهِ، ويُتْرك دمهُ يَجْري إلى أنْ يَمُوتَ، فأمرَ المُعْتَضِد بذلك، ففُعِلَ به، وظَنَّ أحْمَد أنَّ دَمَهُ إذا انْقَطَعَ ماتَ في الحال بغير ألَم فانْعكسَ ظَنُّهُ.
قال: وذلك أنَّهُ لمَّا فُصِدَ نَزَف جميعُ دَمِهِ، ثمّ بَقِيتْ معه من الحياةِ بَقِيَّة فلمِ يَمت، وغَلَبَتْ عليه الصَّفْرَاءُ، فصارَ كالمَجْنُون يَنْطحِ برأسه الحيْطان ويَصِيح ويَضِجُّ لفَرْط الآلامِ، ويَعْدُو في مَحْبسِهِ ساعَات كَثِيْرةً إلى أنْ ماتَ، فبَلَغَ المُعْتَضِدُ ذلك، فقال: هذا اخْتِيارهُ لنَفْسِه، وليس في الفَسَادِ بأكْثرَ ممَّا اخْتارَهُ لنَفْسِه من الرَّأي الّذي جَرَّ عليه القَتْلَ.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّطيْف بن يُوسُف، عن أبي الفَتْح بن البَطِّيّ، عن أبي عبد اللّه الحُمَيْدِيّ، قال: أَخْبرَنا غَرْسُ النِّعْمَةِ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل بن المُحَسِّن بن إبْراهيم الصَّابِئ قال: وحَدَّثَني - يعني أباهُ - قال: حَدَّثَني جَدِّيّ، قال: حَدَّثَني عَمِّي، قال: حَدَّثَني أبو إسْحَاق أبي، قال: جَرَى بيني وبين أبي الحُسَين القَاسِم بن عُبَيْد اللّه في وزَارته للمُكْتَفِي باللّه ذِكْر أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ الّذي قَتَلَهُ المُعْتَضِد باللّه، فقال: كان المُعْتَضِد باللّه يُعَدِّد بعد قَتْلهِ إيَّاه ذنُوبه إليهِ، والأُمُور الّتي أنْكَرها عليه، ليُعْلَم أنَّهُ كان مُسْتحقًّا ما عَمِله بهِ، فممَّا حَدَّثَني به عنهُ أنَّهُ كان له مَجْلِس يَجْتَمعِ إليهِ أهْل العِلْم فيُفاوضُونه ويُفاوضهم، وكنتُ رُبَّما سألتُه عن هذا المَجْلِس وما يجْري فيه، فيُخْبرني به، وسَألتُه في بعض الأيَّام على عَادتي، فقال: يا أَمِير المُؤمِنِين، مَرَّ بي أمس شيء طَرِيف، قُلتُ: ما هو؟ قال: دخل إليَّ في جُمْلَة النَّاس رَجُل لا أعْرفه، حَسَنُ الرُّوَاءِ والهَيْئَة، فتوهَّمتُ فيه أنَّهُ من أهْلِ الفَضْل والمَعْرفَة، وقعَد لا يَنْطقُ من أوَّل المَجْلِس إلى آخره، فلمَّا