للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْصَرف مَنْ كان حَاضِرًا لم يَنْصَرف معهم، فقُلتُ: ألك حاجَةٌ؟ قال: نعم، تُخلي لي نفسَك، فأبْعَدتُ غِلْمَانيّ، فقال لي: أنا رَجُل أرْسَلني اللّه تعالى إلى هذا البَشَر، وقد بدأتُ بك لفَضْلك، وأمَّلْتُ أنْ أجِدَ عندكَ مَعُونة على ما بُعِثْت له، فقُلتُ لهُ: يا هذا، أمَا عَلِمْتَ أنِّي مُسْلِم أعتَقد أنَّهُ لا نبُوَّة بعدَ رسُول اللّه صَلَّى اللّهُ عليه وسلَّم؟ فقال: قد عَلِمتُ ذلك وما جئتكَ إلَّا بأمْرٍ وبُرْهَان، فهل لك في الوقُوف على مُعْجزَتيّ، فأردتُ أنْ أعْلَم ما عندَهُ، فقُلتُ لَهُ: هاتها، فقال: يُحْضَر سَطْل فيه ماء، فتقدَّمتُ بإحْضَاره، وأخْرَجَ من كُمِّه حَجَرين أَصَمَّين صلْدين كأشَدِّ ما يكُون من الصَّخْر، وقال لي: خُذْهما، فأخَذْتُهما، فقال: ما هما؟ فقلتُ: حَجَران، قال لي: رم أنْ تَكْسرهما، فلم أسْتَطع لشدَّتهما وصلابتهما، فقُلتُ: ما أسْتَطِيع، فقال: ضَعْهُما في السَّطْل، فوَضَعتُهما، قال: وغَطِّهما، فغطَّيتُهِما بمِنْدِيل، وأقْبل يُحَدِّثُنيّ، فوَجَدتُه مُمْتعًا، كَثِيْرَ الحَدِيْث، سَديد العِبَارَة، حَسَن البَيَان، صَحِيْح العَقْل لا أُنْكر منه شيئًا، فلمَّا طال الأَمْر، قُلتُ له: فأَيّ شيء بعد هذا؟ فقال: أخْرِج إليَّ الحَجَرين، فكَشَفْتُ عنهما وطَلَبتهما في السَّطْل فلم أجدهُما وتَحَيَّرتُ وقُلتُ: ليسَ في السَّطْل شيء، فقال لي: أنتَ تركتَهُما بيَدك ولم أقْرب منهما، ولا لَحَظْتُ السَّطْل بعَيْني فَضْلًا عن غيره، فقلتُ: صَدَقْتَ، فقال لي: أمَا في هذا إعجْاز؟ فقُلتُ: بَقِيَت عليك حال واحدة، قال: ما هي؟ قُلتُ: آتيك بحَجَرٍ من عندي فتَفْعل به مثل هذا، فقال لي: وهكذا قال أصْحَاب مُوسَى له: نُريدُ أنْ تكون العَصَا من عندنا، فتوقَّفْتُ عن جَوَابه لأُفَكِّر فيه، فقام وقال: فَكِّر في أَمْرك إلي أنْ أعودَ إليك، وانْصَرَف، ونَدِمْتُ بعدَ انْصرِافه على إفْرَاجي عنه، وأمَرْتُ الغِلْمَان بطَلَبه ورَدِّهِ، فتفرَّقُوا في كُلِّ طَريق وما وجَدُوه.

قال القَاسِم: وقال لي المُعْتَضِد باللّه: أتَدْري ما أراد أحْمَدُ بن الطَّيِّب، لَعَنَهُ اللّهُ، بهذا الحَدِيْث؟ فقُلتُ: لا يا أَمِير المُؤمِنِين، قال: إنَّما أراد أنَّ سَبِيل مُوسَى

<<  <  ج: ص:  >  >>