للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألبسَتْني أُمّيِ قَمِيْصًا أحْمَر، فأنا أذُكُر ذلك اللَّوْن وأحقِّقُه قبل العَمَى.

وقَرَأتُ فيما سَيَّره القَاضِي أبو المَعَالِي أحْمَد بن مُدْرِك قاضيِ المَعَرَّة من أخْبَار بنيِ سُليْمان، قال: ولمَّا قَدِمَ من بَغْدَاد -يعنى أبا العَلَاء- عزمَ على العُزْلَةِ والانْقِضَاب (a) من العالَم فكَتَبَ إلى أهْلِ مَعَرَّة النّعْمَان (١):

بسمِ اللّه الرَّحْمن الرَّحِيْم

هذا كتابٌ إلى السَّكنِ المُقِيمِ بالمَعَرَّة، شَملَهُم اللّهُ بالسَّعَادَهَ، من أحْمَد بن عبد اللهِ بن سُلَيمان، خَصَّ به منْ عَرَفَهُ ودَانَاهُ، سَلَّم اللّهُ الجَمَاعَةَ ولا أَسْلَمَها، وَلَمَّ شعَثَها ولا آلَمَها.

أمَّا الآن؛ فهذه مُنَاجَاتي بعدَ مُنْصَرفي (b) عن العِرَاق، مجُتَمعِ أهْلِ الجَدَل، ومَوْطن (c) بَقيَّة السَّلَف، بعد أنْ قضَيْتُ الحَدَاثَة فانْقَضَتْ، وودَّعْتُ الشَّبِيْبَةْ فَضَمتْ، وحَلبْتُ الدَّهْرَ أشْطُرَهُ، وخَبَرْتُ (d) خَيْرهُ وشَرَّهُ، فوَجَدْتُ أقْوَى (e) ما أَصْنَعُه أيَّام الحَيَاة أنْ اخْتَرتُ (f) عُزْلَةً تَجْعَلُني من النَّاس كَبَارِح الأرْوَى من سَانح النّعَامِ، وما أَلَوْتُ نَصِيْحةً لنَفْسي، ولا قَصَّرْتُ في اجْتذاب المَنْفَعَةِ إلى حَيِّزِىِ، فأجْمَعْتُ على ذلك، واسْتَخَرْتُ اللّه فيهِ بعد جَلائه عن (g) نَفَرٍ يُوثَقُ بخَصَائِلهم، فكُلُّهم رآهُ حَزْمًا، وعَدَّهُ -إذا تمَّ- رُشْدًا، وهو أمْرٌ أُسْرِي عليهِ بلَيْلٍ قَضَى سِنه (h)، وخبَتْ به النَّعامَةُ، ليسَ بنَسْج (i) السَّاعَة، ولا رَبِيْب الشَّهْر


(a) هكذا ترد في الأصل هنا وتاليه، بباء في آخرها. والانقضاب: الانقطاع، من القضب وهو القطع (لسان العرب، مادة: قضب)، ومؤداها بمعنى الانقباض أيضًا.
(b) الرسائل وياقوت: مناجاتي إياهم منصرفي.
(c) الرسائل: ومواطن.
(d) الرسائل وياقوت: وجرَّبت.
(e) الرسائل وياقوت: أوفق.
(f) قوله: "أن اخترت" ساقطة من الرسائل وياقوت.
(g) الرسائل وياقوت: علي.
(h) الرسائل: قُضِيَ برقَّة، ياقوت: قُضِي ببَقَّة.
(i) الرسائل وياقوت: بنتيج.

<<  <  ج: ص:  >  >>