للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسَّنَة، ولكنَّهُ غَذِيُّ الحِقَب المُتقادِمَة، وسَلِيْل الفِكْر الطَّويل.

وبادَرْتُ إعْلَامَهُم ذلك، مَخافَة أنْ يتفَضَّل منهم مُتَفَضِّلٌ بالنُّهُوض إلى المَنْزل الجَارِيَة عادَتي بسُكْنَاهُ ليلْقَاني فيه، فيَتَعذَّر ذلك عليه، فأكُونُ قد جَمَعْتُ بين سَمْجين: سُوءَ الأدَبِ، وسُوءِ القَطِيْعَة، ورُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ له. والمثَل السَّائرُ: خَلّ أمرأً وما اخْتَار، وما أَسْمَحَت القُرُون الإيَابَ (a) حتَّى وعَدْتُها أشياءَ ثلاثةً: نبْذةً كنَبْذة فَتِيْق النُّجُوم، وانْقِضَابًا من العَالَم كانْقِضَاب القَائِبَة (b) من القُوْبِ، وثَبَاتًا في البَلَدِ أنْ جَالَ (c) أهلُه من خَوْف الرُّوم، فإنْ أبَى مَنْ يُشْفِقُ عليَّ أو يُظْهِرُ الشَّفق إلَّا النَّفْرَة مع السَّوَادِ، كانت نَفْرةَ الأعْضَب (d) والأَدْمَاءَ.

وأَحْلِفُ: ما سَافَرتُ اسْتَكْثرُ من النَّشَبِ، ولا أتكثَّرُ بلقاء الرِّجَال، ولكن آثرْتُ الإقامةَ بدار العِلْم، فشَاهَدْتُ أنْفَسَ ما كان (e) لم يُسْعف الزَّمَن بإقامِتي فيه، والجاهِلُ مُغالبُ القَدَر، فلَهِيْتُ عمَّا اسْتَأثَر به الزَّمانُ، واللّهُ يَجْعَلُهُم أحْلَاسَ الأوْطَان لا أحْلَاسَ الخَيْل والرِّكَاب، ويُسْبِغُ عليهم النِّعْمَة سُبُوْغَ القَمْراءَ الطَّلْقة على الظَّبْي الغَرير، ويُحْسنُ جزاءَ البَغْدَاديّينَ، فلقَدْ وصَفُوني بما لا أسْتَحقّ، وشهدُوا لي بالفَضيْلَة على غير عِلْم، وعَرَضُوا عليَّ أمْوالَهم عَرْضَ الجِدِّ، فصادفُوني غير جَذِلٍ بالصِّفَاتِ، ولا هَشّ إلى مَعْرُوف الأقْوَام. ورَحَلْتُ وهُمْ لرِحْلَتي كارهُونَ، وحَسْبي اللّهُ وعليه فليَتوكَّل المُتَوَكّلِونَ (١).

قال (٢): وإنَّما قيل له رَهْن المَحْبسَين للزُومِهِ مَنْزِله، وكفّ بَصره، وأقام


(a) الرسائل وياقوت: وما سمعت القرون بالإياب.
(b) في الأصل: القائية، والصواب ما أثبت كما هو في نشرة الرسائل وياقوت، والقائبة هي البيضة، وهو مثل يُضرب.
(c) الرسائل وياقوت: حال.
(d) الرسائل وياقوت: الأعفر.
(e) الرسائل وياقوت: أنفس مكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>