للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَارزِيّ (a) الحَلَبِيّ، قال: حَدّثَني الشَّيْخُ أبو عَبْد اللهِ الأصْبَهَانِيّ، قال: لمَّا حَضَرت الشَّيْخَ أبا العَلَاء أحْمَدَ بنَ عبد الله بن سُلَيمان التَّنُوخِيَّ الوَفَاةُ، أتاهُ القَاضِي الأجَلّ أبو مُحَمَّد عبد الله التَّنُوخِيّ (b) بقَدَح شَرَاب، فامْتَنعَ من شُرْبه، فَخَلف القَاضِي أيمانًا مُؤكَّدَةً لا بُدَّ من أنْ يَشْربَ ذلك القدَح، وكان سِكَنْجِبَيْن، فقال أبو العَلَاء مُجيْبًا له عن يَمِيْنهِ: [من الوافر]

أَعَبْدَ اللهِ خيرٌ من حَيَاتي … وطُول ذَمَائِها مَوْتٌ صَرِيحُ (c)

تُعَلِّلُنِي لتَشْفيَني (d) فذَرْنِي … لعَلِّي أسْتَريح وتَسْتَريحُ

وكان مرضُهُ ثلاثة أيَّام، وماتَ في اليَوْم الرَّابِع، ولم يكُن عندَهُ غيرُ بني عَمِّه، فقال لهم في اليَوْم الثالث: اكتُبُوا، فتَناولوا الدُّوِيَّ والأقْلَام، فأمْلَى عليهم غيرَ الصَّوَاب. فقال القَاضِي أبو مُحَمَّد: أحْسَن اللهُ عزاءَكُم في الشَّيْخ؛ فإنَّهُ مَيِّتٌ، فماتَ في غَدَاةِ غَدٍ.

وإنَّما أخَذ القَاضِي هذه المَعْرفَة من ابن بُطْلَان، لأنَّ ابن بُطْلَانَ كان يدخُل على أبي العَلَاء، ويَعْرفُ ذَكَاءَهُ وفَضْلَهُ، فقيل له قَبْل مَوْته بأيَّام قَلَائِل: إنَّهُ أمْلَى شيئًا فغلطَ فيه، فقالَ ابنُ بُطْلَان: ماتَ أبو العَلَاء، فقيل: وكيفَ عرفتَ ذلك؟ فقال: هذا رَجُلٌ فَطِنٌ ذَكِيّ ولم تَجْر عادتُهُ بأنْ يَسْتَمِرَّ عليه سَهْوٌ ولا غلَطٌ، فلمَّا أخْبَرتمُوني بأنَّهُ غَلِطَ عَلِمْتُ أنَّ عَقْله قد نَقَصَ، وفِكْرَهُ قد انْفَسَدَ (e)، وآلاته قد اضْطَربتْ، فَحَكَمْتُ عليه عندَ ذلك بالمَوْت، واللهُ أعْلَمُ.

قَرأتُ بخَطِّ بعض البَغْدَاديّين: قيل: لمَّا ماتَ أبو العَلَاء المَعَرِّيّ، سَامَحَهُ اللهُ، وقفَ على قَبْره سَبْعون شَاعِرًا من أهْل المَعَرَّة، فأنْشَدَ كُلّ منهم قَصِيدَةً


(a) في كتاب القفطي: الفازري.
(b) كتب إزاءه في الهامش: يعني ابن أخيه قاضي المعرة.
(c) القفطي: مريح.
(d) القفطي: لتسقيني.
(e) كتب ابن العديم في الهامش: "صوابه: فَسَدَ؛ وإنما حكى رحمه الله لفظ ابن بطلان على صورته".

<<  <  ج: ص:  >  >>