وقيل: إنَّهُ خَرَجَ يطلُبُ ثأر ابنِهِ المَقْتُول على الدَّكَّةِ.
وذكَر ابنُ أبي الأزْهَر في تَارِيْخهِ أنَّهُ لمَّا خَرَجَ على قَافِلَة الحاجّ أنَّ أصْحَابَهُ أكَبُّوا على الحاجّ، فقتلُوهم كيفَ شاؤوا، واحْتَوَوا على جميع ما كان في القَافِلَة، وسَبَوا النِّسَاءَ الحَرَائرِ، وجَمعَ القِرْمِطِيّ، لَعَنَهُ اللّهُ، أجْسَاد القَتْلَى، فعَمِلَ منها دَكَّةً تشبِيها بالدَّكَّة الّتي قُتِلَ عليها أصْحَابهُ.
وسَيَّرَ إليَّ بعضُ الشِّرَاف الهاشِمِيِّين بحَلَب تاريخًا جَمَعَهُ أبو غَالِب هَمَّام بن الفَضْل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب، ذَكَرَ أنَّهُ تَذكِرةِ كتَبَها ممَّا وجدَهُ في التَّوَاريخ المُتَقدِّمة، وممَّا وجَدَهُ بخَطِّ جَدّ أبيهِ الشَّيْخ أبي الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب بن أبي حَامِد مُحَمَّد بن هَمَّام بن أبي شِهَابٍ وغيره (١)، قال فيه: سَنَة تسْعين ومَائتَيْن فيها نَجَم بالشَّام قِرْمِطِيّ بأرْض دِمَشْق، انْتَسَبَ إلى العَلَوِيَّة.
قال: وذكَرَ الشَّيْخ أبو الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب أنَّ أباه المُهَذَّب أخْبَرهُ أنَّ هذا القِرْمِطِيّ أوَّل مَنْ وَقَعَ عليه هذا اللَّقَب، وكان خَرَجَ في بَطْن من بَنِي عَدِيّ من كَلْب يُقالُ لهم بنُو العُلَّيْص، فَخَرَجَ إليهِ طُغْج بن جُفّ والي دِمَشْق من قِبَل الطُّولُونيَّة مُحْتَقرًا له في غير عِدَّة ولا عُدَّة، وكان هذا القِرْمِطِيّ في بَادِيَة كَلْب، فأوْقَع بطُغْج، ودخَل إلى دِمَشْقَ مَهْزُومًا، ثمّ رَجَعَ فجمَعَ عَسْكَرهُ، وحَشَد، وخَرَجَ إليهِ، فكان الظَّفَرُ للقِرْمِطِيِّ أيضًا، وقَتَل خلقًا كَثِيْرًا من أصْحَاب طُغْج، ونهبُوا عَسْكَره، وعاد طُغْج إلى دِمشْق، فقَوِيَ القِرْمِطِيُّ.
وكَتَبَ طُغْج إلى مِصْر، فَوُجِّه إليهِ جَمَاعَة من الفُرْسَانِ والرَّجَّالَة، وأمدَّهُم مَنْ في الشَّام، فصَار جَيْشًا عَظيْمًا، فخرَجَ وهو غير شَاكٍّ في الظَّفَر بهِ، فأوْقَع القِرْمِطِيّ به، وكانت الوَقْعَةُ في مَوضع يُعْرف بالكُسْوَة.