للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَار القِرْمِطِيّ إلى بَعْلَبَكّ ففَتَحها، وقَتَل أهْلَها، ونَهب وأحْرَق، وسار منها إلى حِمْص، فدعا لنَفْسِه بها، وبَثَّ وُلَاتَهُ في أعْمَالِها، وضَرَب الدَّنَانِيْر والدَّرَاهِم، وكتَبَ عليها: المَهْدِيّ المنصُور أَمِير المُؤمنين، وكذلك كان يُدْعَى له على المَنَابِر، وأنْفَذَ سَرِيَّةً إلى حَلَب، فأوْقَع بأبي الأغرّ خليفة بن المُبارَك السُّلمِيّ، وعادَت السَّرِيَّةُ، وجَبَى الخَرَاج، وحُمِلَ إليهِ مال جُنْد حِمْصَ، فأنفَذَ الأَمِير أبو الحَجَر المُؤَمَّل بن مُصَبِّح - أمير بَرْزَوَيْه والبَارَة والرُّوْق (a) وأفَامِيَة وأعْمَال ذلك، وبقي والِيَ هذه المَواضع مِن قِبَل الخلفَاء بغْدَاد أرْبَعين سنةً فيها - رَجلَين من أهلِ مَعَرَّة النُّعْمَان اسْم أحَدهما أحْمَد بن مُحَمَّد بن تَمَّام، والآخر ابن عَاص القَسْرِيّ، وجَاءَا إلى القِرْمِطِيّ يَرْفعان على أهل مَعَرَّة النُّعْمَان، فمَضَيا إليهِ، وقالا له: إنَّ أهل مَعَرَّة النُّعْمَان قد شَقُّوا العَصَا، وبَطّلُوا الدَّعْوَة، وغيَّرُوا الأذَان، ومنَعُوا الخَرَاج، وكان أهل مَعَرَّة النُّعْمَان قد أرسَلُوا معهما الخَرَاج فأُخِذَ منهما في الطَّريق، فلمَّا قالا له ذلك، الْتَفَتَ إلى كاتبه وقال له: اكتُبْ: وشَهِدَ شَاهدَان من أهْلها. فسَار إليها وقال لأصْحَابهِ: أنْ اغْلِقُوا الباب فاجعَلُوها غارة على الدَّارين (b)، فخَرَج أهل مَعَرَّة النُّعْمَان ولا عِلْم لهم بما قد جَرَى، وأصْحَاب القِرْمِطِيّ يقُولون: الْقُوا مَوْلَانا السَّيِّد، فبَلغَ كَثِيرٌ من النَّاسِ إلى قُرْب حُنَاك، وأخَذ الأبْوَاب أصْحَاب القِرْمِطِى على النَّاس، فقُتِلَ خَلْق كَثِيْرٌ، ودخَلها يَوْم الأرْبَعَاء النِّصف من ذِي الحِجَّة، فأقام يقتُل المَشَايخ والنِّسَاء والرِّجَال والأطْفَال، ويُحْرق ويَنْهب خمْسَةَ عَشر يَوْمًا، فذُكِرَ أنَّ القَتْلَى كانُوا بضعَة عَشر ألفًا.

وخَرَجَ المُكْتَفِي إلى الرَّقَّة، وأنْفَذَ عَسَاكِره مع مُحَمَّد بن سُلَيمان الكَاتِب الأنْبارِيّ، وكان شَهْمًا شُجَاعًا مُدَبِّرًا، فحصَلَ في حَلَبَ في جَيْشٍ فيه ثَلاثُونَ أَلْفًا مُرْتَزقة، فيما ذَكَر غير واحدٍ، وكان جَهِيْرُ بن مُحَمد يقول له: تَخْرُج إلهِم فقد


(a) كتب ابن العديم في الهامش: "الروق هو الَّذي يُقالُ له الروج، كورة معروفة".
(b) كتب ابن العديم في الهامش: "لعلّه: الذراري".

<<  <  ج: ص:  >  >>