أخْبَرَنا أحْمَد بن أزْهَر بن عَبد الوَهَّاب في كتابهِ إليَّ من بَغْدَاد، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِمِ عليّ بن المُحَسّن بن عليّ التَّنُوخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ المُحَسِّن بن عليّ التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثَني أَبو عَبْد الله الحُسَين بن مُحَمَّد بن الصَّقْر الكَاتِبُ، قال: وكان النَّامِيِّ بَطِيءَ الخَاطِر، شديدَ القَوْل، إذا أراد أنْ يَعْمَل شِعْرًا خَلا خلْوةً طَوِيلَةً أيَّامًا وليالى، فإنْ نطقَتْ في داره جَارِيَةٌ أو غُلَام كَاد أنْ يَقْتُلَهُ، وانْقَطع خَاطِرُهُ، واذا أراد أنْ يَعْمل قَصِيدَةً جَمعَ جميع ما للعَرَب والمُحْدَثِيْنَ من الشِّعْر على وَزْنِ تلكَ القَصيدَة، وجَعَلَهُ حَوَالَيهِ، ونظَر فيه حتَّى يَقْدَحَ به خَاطِره ويَتَحَلَّب مَعَانيهِ. قال: ورأيَتُهُ يَفْعَلُ ذلكَ.
وقال أبو عليّ التَّنُوخِيّ: وقد أخْبَرَني أيضًا بهذا جَمَاعَةٌ منهم أبو إسْحاق إبْراهيم بن عليِّ النَّصِيْبِيّ أنَّهُ شَاهدَهُ، وأنَّهُ كانت ترتَفِع له القَصيِدَة في سَبْعة أشْهُر، قالوا: فكانت تحْدُث الحَادِثَةُ عند سَيْفِ الدَّوْلَة من فَتْحٍ، أو صِفَهٍ لوَقْعَة، أو تَهْنئة بعيدٍ أو غير ذلك، فيَعْمل فيها الشُّعَراءُ ويُنْشدُونَهُ في الحال، أَو بَعْد يَوْم ويوْميْن، ولا يُنْشدهُ هو شيئًا، فإذا كان بَعْدَ سَبْعة أشْهُر أو ثلاثة أو أكْثَر من ذلك أو أقَلّ علي حَسَب ما ترتَفعُ، جاءَ إليه فاسْتَأذنَهُ في الإنْشَادِ، وقال: قد ارْتَفَعَتْ لي قَصِيدَةٌ في الفَتْح الفُلَانيّ، أو القصَّة الفُلَانيَّة الّتي كانت جَرَت في وقت كَذَا وكذا، فإنْ رَأى مَوْلَانا أنْ يأذَن في إنْشَادها. قال: فيُكايدُه سَيْفُ الدَّوْلَة فيقول: في أيّ وَقْتٍ، وأيّ قِصَّة؟ فلا يَزَالُ يُريهِ أنَّهُ قد أُنْسِيَ تلكَ الحال لبُعْدها تَوْبيخًا له إلى أنْ يكاد يَبْكي، فيقول: نعم، نعم، هاتها الآن. قال: ورُبَّما اغْتَاظ لطُول العَهْد وخُرُوج الزَّمان عن الحَدِّ فلا يأذَنُ له في الإنْشَاد.
قال أبو عليّ التَّنُوخِيّ: وأخْبرَني أبو عَبْدِ الله بن الصَّقْر هذا، قال: كنتُ قائمًا بين يَدي سَيْف الدَّوْلَة وقد وُلد له قَبْل ذلك بتِسْعَة أشْهُر مَوْلُود، وهَنَّأهُ الشُّعَراءُ عليهِ، فجاءَ النَّامِيِّ واسْتَأذَنَهُ في الإنْشَادِ يُهَنِئه بالمَوْلُود، فقال له سَيْفُ