للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَحِمَهُ اللهُ، في شُهُور سَنَة ستِّمائة، لأبي عَبْد الله بن شَرَف الشَّاعر، وقد شَكَرتُ مَخْدومَهُ، وأثْنَيتُ عليه بكَثْرة حَوَائج النَّاس إليهِ، هذين البَيْتَيْن: [من الطويل]

لمُلْتَمسِي الحَاجَاتِ جَمْعٌ ببابهِ … فهذا لَهُ فَنٌّ وهذا له فَنُّ

فللخَامِل العُلْيَا وللمُعْدَم الغِنَى … وللمُذْنبِ الرُّحْمَى وللخَائفِ الأَمْنُ

قال القُوصيّ: وأنْشَدَني رَحِمَهُ اللهُ، وقد حَرَّضْتُهُ على فعْل الخَيْر، مُتَمثِّلًا (١): [من مجزوء الكامل]

للخَيْر أهْلٌ ما تَزَا … ل وُجُوهُهُمْ تَدْعُو إليهِ

طُوْبَى لمَنْ جرتِ الأُمُو … ر الصَّالِحات على يَدَيهِ

قال: وحَرَّضْتُه يَوْمًا على الإحْسان وبَذْل الجاه للإخْوان، فأنْشَدَني هذين البَيْتَيْن: [من الطويل]

فأَحْسِنْ إلى الإخْوَان تَملكْ رقابَهُم … فخيرُ تجاراتِ الكَرِيْمِ اكْتِسَابُها

وأَدِّ زَكَاةَ الجاهِ واعْلَم بأنَّها … كمثْلِ زَكَاةِ المالِ تَمَّ نِصَابُها

قال لنا أبو المَحَامِد القُوصِيّ: هذا الأَمِيرُ نَاصِر الدِّين، رَحِمَهُ اللهُ، كان عَارِفًا بأحْوَالِ المُلْك، نَاصِحًا لسُلْطَانه، ثمّ وَشَى به أعْدَاؤهُ حَسَدًا على عُلُوِّ شَأنهِ، فنَكَبَهُ سُلْطانُهُ نَكْبةً اسْتأَصَلَ فيها شَأفَتَهُ وشَأفَةَ أَتْبَاعه، وقبَضَ على جميع أمْوَالهِ وحَوَاصلهِ ورِبَاعِهِ، وتُوفِّيَ مَحْبُوسًا.

أخْبَرَني القَاضِي أبو عليّ الحَسَنُ بن مُحَمَّد القِيْلَويّ، قال: أخْبَرَني بعضُ أهل سنْجَار أنَّ نَاصِر الدِّين ابن المُجَاهِد كَتَبَ على حائط المكان الّذي ماتَ فيه في مَحْبسِهِ بخَطِّهِ:

حالي عَجَبٌ وفي حَدِيْثِي عِبَرُ … في أغْفَلَ ما كُنْتُ أتَانِي القَدَرُ


(١) البيتان - ومعهما ثالث - عند ابن حبان البستي: روضة العقلاء ٦٥، ونسبه لعبد العزيز بن سليمان الأبرش.

<<  <  ج: ص:  >  >>