كَتَبَ المُخْتَار بن الحَسَن بن بُطْلان المُتَطَبِّب كتابًا إلى والدي هِلِّل بن المُحَسِّن في سَنَة أرْبعين وأرْبَعِمائة، يذْكُرُ له فيها خُرُوجه من بَغْدَاد، وما دَخَل من البلاد، قال فيها (١): رَحَلنا من الرُّصَافَة إلى حَلَب في أربَع مَراحل، وحَلَب بلدٌ مُسَوَّر بحَجَرٍ أبيض، فيه ستَّة أبواب، وفي جانب السُّور قَلْعَةُ في أعْلَاها مَسْجِد وكَنِيْسَتان، وفي أحديهما كان المذبَحُ الّذي قرّب عليه إبْرَاهِيمُ عَليه السَّلام. وفي البَلَد جامعٌ، وستّ بيَعٍ، وبِيْمَارِسْتان صَغير. والفُقَهاءُ يفْتُون على مَذْهبِ الإمامِيَّةِ. ويَشْربُ أهْل البَلَد من صَهاريج فيه مَمْلوءَة بماء المَطَر، وعلى بابه نَهْرٌ يُعْرفُ بالقُوَيْق، يَمُدُّ في الشِّتَاء ويَنْضَبُ في الصَّيْف. وفي وسط البَلَد دَارُ عَلْوَة صاحبَة البُحْتُرِيّ. وهو بلدٌ قليل الفاكهة والبُقُول والنَّبيذ إلَّا ما يأتيهِ من بلادِ الرُّوم، وفيها من الشُّعَرَاءِ جَمَاعَة، وذكَر أبا الفَتْح بن أبي حَصِينَة (٢)، وذكَرَ کاتبًا نصرانيًّا هو صَاعِد بن عِيسَى بن سُمَّان (a)، وذكَر أبا مُحمَّد بن سِنَان، وأبا المَشْكُور.
ثُمَّ قال (٣): ومن عَجائب حَلَب أنَّ في قَيْسارِيَّة البَزِّ عشرين دُكَّانًا للوكَلاءِ، يَبِيعُونَ فيها كُلّ يوم مَتاعًا قَدْرُه عشرونَ ألف دِيْنار؛ مُسْتمرٌّ ذلك منذ عشرين سَنةً وإلى الآن. وما بحَلَب مَوضعٌ خَرَابٌ أصْلًا.
(a) كذا جوَّده المُؤلِّف في غير هذا الموضع؛ في ثنايا ترجمة زُرافة حاجب المتوكِّل (الجزء الثامن)، وتحرَّف اسمه في نشرة رحلة ابن بطلان ٨٨: ابن شَمَّامة.