ما في الخزائن القَديمةِ للسُّلْطان من الدَّفاتِر والآلاتِ النُّجُومِيَّةِ وغيرها ممَّا يَجْري مَجْراها، فما كان يَصْلح للأميرَيْن أبي جَعْفَر وأبي الفَضْل، أيَّدَهُما اللهُ، عَزَلتهُ لهما على ما رَسَمَهُ لي فيما رَغب في اخْتيارِي إيَّاهُ لهما، ممَّا يُشاكِل سنَّهُمَا من كُتُب الفِقْه، وكُتُب اللُّغة، وكُتُبِ السِّير القَديمةِ والقَرْيبَة العَهْد، وأخْبار المُلُوك وأيَّامِ النَّاسِ، وأخْبار الدَّوْلَة العبَّاسيّة، وأشْباه ذلك.
قال: فكان فيما أخْرَج إلينا صَناديق كَثِيْرة، فيها كُتُب أحمَد بن الطَّيِّب الّتي كان المُعْتَضِدُ قَبَضَها لمَّا نَكَبَه، وكُنْتُ بها عارفًا، وقد كُنتُ مَيَّزتُها للمُعْتضِدِ فِي ذلك العَصْر وعملتُ لها فِهْرسْتًا، فمرَّ (a) فيها كتابٌ بخَطِّ أحمد بن الطَّيِّب بأخْبار مَسير المُعْتَضِد بالله من مَدِينَة السَّلام إلى وَقْعة الطَّوَاحِين، وأخْبار انْصرافه عنها، فتَتَبَّعَتْهُ نَفْسي تَتَبُّعًا شديدًا لصحَّته، وأنَّه أضْلٌ لرَجُل مُحصِّل وبخَطِّه، وكان وقوعُ هذا الكتاب في يده قبل وقوعه في يَدِي، فبدَأني بما كان في نَفْسي، فرَمَى بهِ إليَّ لأتأَمَّلَهُ، ثمّ قال لي: أحْسبُ هذا ممَّا سبيْلُه أنْ تقتَصّه في الكتاب الّذي عملتَهُ لمُحمَّد بن عَبْد الرَّحْمن الرُّوذْبَارِيّ، فقُلتُ: بل أنْسَخهُ فيه حَرْفًا حَرفًا، فقال: افْعل، ثمّ ارْدُدْهُ. فنَسَخهُ ثَابِت من خطِّ أحمد بن الطَّيِّب كما قال، وذَكَرَ فيه المنازل إلى أنْ ذكَر وقال: ورَحَلْنا عن بَالِس ليلة السَّبْت لأرْبَع عَشرة ليلة بقيَت منه، فنَزلنا على مِيْلَين من بَالِس، على صِهْرِيج في أوَّل بَرِّيَّة خُسَاف (١)، ثمّ رَحلنا عن المَوْضِع سَحَرًا، فقطَعنا بَرِّيَّة خُسَاف إلى انْقضائها، وبين بَالِس وبين انْقضاء