للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: وبعد اسْتيلاء الرُّوم عليها في هذه السَّنَة، فتحَها المُسلِمُونَ، وذلك أنَّ سُلَيمان بن قُطَلْمِشِ بن قَاؤُر (a) بن سَلْجُوق، وجدّه قَاؤُر أخو ألْب أَرَسْلَان، أسْرَى من نِيقِيَّة، وكَتَم خَبره، وَجَدَّ في السَّير، فوصلَ إلى أَنْطاكِيَة في مائتي فارس وثمانية فَوَارس ليْلًا، فتسوَّرُوا الأسْوار، وفَتَحُوها ليلًا، وذلك في أوَّل شَعْبان سَنة سَبْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، ثمّ قُتِلَ سُلَيمان بن قُطَلْمِشِ، واسْتَولى يَغي سِيان (b) على أَنْطاكِيَة، وأخَذَها الفِرِنْج، خَذَلَهُم اللهُ منه في سَنة تسعينَ وأرْبَعِمائة، وبقيَت في أيْدِيهم إلى الآن.

والمَسْجِد الجامع الّذي كان بأَنْطاكِيَة للمُسْلِمين، هو إلى جانب القُسْيَان، ودَخَلْتُ أَنْطاكِيَة في سَنَة ثلاث عَشْرة أو أرْبع عَشرة وستِّمائة، ودَخَلتُ بِيْعَة القُسْيَان، فوَجدْتُ بجانبها مِحْرَابَ المُسْلِمِيْن على حالِهِ، وفي سُقُوفه آيات القُرْآن مكتُوبةً في النَّقش، وهي على ما ذَكَرهُ ابن بُطْلان من الصُّورة، وبِيْعَة القُسْيَان مُزَخْرفة بالرُّخَام والفُسَيْفِساءِ.

وقَرَأتُ في كتاب الحَافِظ لَمَعارف حَرَكات الشَّمْس والقَمَر والنُّجُوم في آفاقها، تأليف أبي الحُسَيْن بن المُنَادِي: يُقال (١): ما من بناء بالحِجَارَة أبهى (c) من كَنِيْسَة الرُّهَا، ولا بناءٌ بالخَشَب أبْهَى مِنْ كَنِيْسَة مَنْبج، ولا بناءٌ بالرُّخَام أبْهَى من قُسْيَان أَنْطاكِيَة.


(a) كذا قيده ابن العديم في هذا الموضع، ويأتي ذكره في الجزء الرابع (ترجمة ألب أرسلان بن جغري بك): قاورت، ومثله عند ابن الجوزي: المنتظم ١٦: ١٤٧ وعند الحسيني: أخبار الدولة السلجوقية ٥٦ وما بعدها: قاورد، وسبط ابن الجوزي: مرآة الزمان ١٩: ١٧٣، ٢٦٨ - ٢٦٩: قاروت وقاروت بك، وابن خلدون: العبر ٩: ٥٢: قاورد بك، أما في مشجر نسب السلجوقية فقيده ابن خلدون بخطه (العبر ٩: ٣٠٥): قارتْبك. وانظر خبر تخليص أنطاكية من أيدي الروم مستوفًى عند ابن الأثير: الكامل ١٠: ٢٧٢ - ٢٧٨ (أرخ استيلاء الفرنج سنة ٤٩١ هـ)، وابن خلدون: العبر ٩: ١١٨ - ١١٩.
(b) في الأصل و ك: يغي سغان، وهو أحد قواد السلجوقية ممن يرد اسمه في المصادر على صور متعددة؛ فعند ابن الأثير: الكامل ١٠: ٢٢٠ - ٢٧٥: باغي سيان بن محمد بن ألب، وابن الفوطي (مجمع الآداب ٥: ١٥١): بغَبسان، وابن شداد (الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ٢٤): يغي سيان، وابن الوردي (تاريخه ٢: ١٨ - ١٩): ياغي سنان، وابن خلدون (العبر ٧: ٢٠٢) باغي سيان، و (العبر ٩: ٥٧): ياغيسيان.
(c) أقام رسمها في الأصل حيثما ترد بالهمز في آخرها: أبهأ، وأبهئ، والدارج فيها التسهيل: أبهى، وأصل البهو: السعة؛ يقال: هو في بَهْو من عيش أي في سعة، والبهاء: المنظر الحسن الرائع المالي للعين. لسان العرب، مادة: بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>