للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَتَاهِيَة لَقَبٌ وكُنْيَتُهُ أبو إسحاق، ولُقِّبَ لاضْطِرَابٍ كان فيه، ويقال: وهو مَوْلَى لعَطَاء بن مِحجَن العَنَزِيّ أحَدُ بَني نَصْر بن سَعْد بن حِبَّان. ويُقال: اسم أبي العَتَاهِيَة إبْراهيم بن إسحاقَ، والأوَّل أصَحُّ، وكان جَرَّارًا يبيع الخَزَفَ بالكُوفَة، وأُمُّهُ أُمُّ زَيْد بنت زِيَاد البُخاريّ (a)، مَوْلَى بَني زُهْرَة، ووُلد في سَنَة ثلاثين ومائة.

وماتَ ببَغْدَاد في سَنَة عَشرٍ ومَائتَيْن، وقيل: في سَنَة إحدَى عَشرة، وقيل: قبلَ ذلك وبعده، والأوَّل أَصَحُّ، وقَبرُه في الجانب الغَرْبيّ من مَدِينَة السَّلام قُبالة قنطَرَة الزَّيَّاتين، وكان أبيضَ اللَّون، أسْوَدَ الشَّعَر، قَصِّيْفًا، طَرِيفًا (b)، له وَفْرَةُ جَعْدَة، وهَيْئَة حَسَنة، وخَضَبَ في آخر عُمْرِه بالحِنَّاء.

وأخْبَاره مع المَهدِيّ، والهادي، والرَّشِيْد، والأَمِين، والمَأمُون مَشهُورةٌ، وكان ذا مَنْزِلةٍ عند الخُلفَاء والوُزَرَاء وعِلْيَةِ أهْل الدَّولةِ، ومَذْهَبُه في سهُولة الطَّبْع وقُرْب المأخَذ، والبُعد من التَّكَلُّف مُتَعالَم غير مُدَافع، حتَّى أنَّ قَائلًا لو قال: إنَّهُ أطْبعُ النَّاسِ أجْمَعِين لَما خُولفَ في قَوْله، وهو مفْتَنٌ في سَائر أجْنَاسِ الشِّعْرِ، وأنْفَدَ قَولَهُ في آخر عُمْرِه فيما لم يشركه فيه أحدُ ممَّن تقدَّمه من الشُّعَراءِ ولا منْ تأخَّر عنه من القَوْل في الزُّهْدِ، والمَوَاعِظ، والعِبَر، والأمْثَال.

وقَرأتُ في كتاب المُسْتَنِيْر لأبي عُبَيْدِ الله المَرْزُبانيّ (١)، قال: حدَّثَني عليُّ بن أبي عَبْدِ اللّه الفَارِسِيّ، قال: أخبَرَني أبي، عن أبي دِعَامَة عليّ بن بُرَيْد (c)، قال: كان أبو العَتَاهِيَة كُوفيًّا مَوْلَى لعَنَزة، وكان جرَّارًا، وكان أبُوه يُكنَى أبا إسْمَاعِيْل، وكان في الدِّيْوَان دَهْرًا، فلمَّا نسَكَ أبو العَتَاهِيَة، وترك الدِّيْوَان، وقال في الزُّهْد، تَعَلَّم الحِجَامَةَ ليُذلّ نَفسه بذلك وتتواضَع بهِ، فأُخبر يَحْيَى بن خَالِد،


(a) في الأغاني ٤: ٥: المحاربي، وقد تقدم ذكر زياد وأنه من عظماء بخارى.
(b) ب: ظريفًا.
(c) ب: يزيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>