للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجلسَ في قَلْعَة حَلَب، وشَرِب فيها.

وأحْضَر قَسِيم الدَّوْلَة، حَدَّثَنَا رُوْمِي بن وَهْب، قال: حَضَرْتُه وقد أحْضَر قَسِيمَ الدَّوْلَة، فدَخل وفي رَقَبته بَنْدُ قبائهِ يُسْحَبُ، فلا واللَّه إنْ أنْكَرتُ من عِزَّة نَفْسه شيئًا ممَّا كُنْت أعْرفه، فما زال يَمْشي حتَّى وقعَتْ عَيْنُه على تاج الدَّولَة، فجلسَ وأدَارَ ظَهْرَهُ إليه، فسَحَبُوه وكلَّمُوه، فما رَدَّ جَوَابًا ولا تحرَّكَ. فقام إليهِ تاجُ الدَّوْلةَ فكلَّمه، فلم يردّ له جَوَابًا مَرَّتَين أو ثلاثةً، فضربَ رَقَبَتهُ بيده، وقَطَع رأسَهُ فطِيْفَ به البِلَاد وحُمِلَت جُثَّتُه فدُفِنَت عند مَشْهَد قَرَنْبِيَّا (a)، وبَقي لَيْلتَين.

وسار تاجُ الدَّوْلَة إلى خُرَاسَان، وبقي قَسِيم الدَّوْلَةِ في قَبْره، وقد طُوِّف برأسِه إقْلِيْمِ الأرْض من الشَّام، من سَنَة خَمْسٍ وثَمانين إلى سَنَة ستٍّ وعشرين، إلى حين وَلّى السُّلْطانُ والخَلِيفَة المُسْتَرْشِد باللَّه ولدَهُ زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر وهو عمَاد الدِّين، عُدَّة (b) مَلِك الأُمَرَاء بَهْلَوَان جَهَان، عمَّر له مَدْرَسَةً تولَّى أمْرَهَا الشَّيْخُ الأجَلُّ الفَقِيهُ الإمَامُ أبو طَالِب ابن العَجَميِّ، ووَقَف عليها ضَيْعَتين يُسَاوي مُغِلّهما ألف دِيْنار كُلّ سَنَة، وعمر بها عِمارَةً مُعْجِزَةً، ونقَل رمَّتَهُ إليها؛ رأيتُها في سَنَة سَبْعٍ وعشرين ولم تكُن كملَت، وهي تزيد عن الوَصْف، وجَعَلَ قَبْرَهُ قُبَالَة البَيْت المَسْجِد من الشَّمال، وأجْرى إليها قناةَ ماءٍ، وغَرس وسطها، وجَعَل القَبْرَ مثْلَ قَبْر أبي حَنِيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.

هكذا نَقَلْتُ من خَطِّ ابن مُنْقِذ، وفيه أَوْهَام! من جُمْلتها أنَّهُ قال: فكَسَره تاج الدَّوْلَة بأرض تُبَّل. وليس كذلك، بل بأرض سَبْعِين أو كَارِس من نُقْرَة بَني أَسَد. وتُبَّل ليست من هذه الكُورَة، وبينهما مَسَافَة يوم.

ومن جُمْلَةِ أَوْهَامه أنَّهُ قال: جلَس في قَلْعَة حَلَب، وضَرَب رقَبَةَ آقْ سُنْقُر


(a) في الأصل مجودًا: قَرَبِيَّا، بإسقاط النون.
(b) ساقطة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>