فرَكِبَ زِيَادٌ بعُمَّالِهِ حتَّى اقْتَحَم الكُوفَة، فلمَّا قَدِمَها تَغَيَّبَ حُجْر، فجعَل يَطْلبُهُ فلا يَقْدر عليه، فبينا هو جَالِسٌ يَوْمًا وأصْحَاب الكَرَاسِي حَوْلَهُ، فيهم الأشْعَث بن قَيْس، إذا أتَي الأشْعَثَ ابنُه مُحَمَّد، فنَاجَاهُ وأخْبَره أنَّ حُجْرًا قد لجأ إلى مَنْزِله، فقال له زيادٌ: ما قال لك ابنُكَ؟ قال: لا شيء، قال: والله لتُخْبرني ما قال لك حتَّى أعْلَم أنَّك قد صدَقْتَ أو لا تَبْرحِ مَجْلِسَك حتَّي أقْتلَكَ، فلمَّا عَرِفَ الأشْعَث أخْبَره، فقال لرَجُل من أهْلِ الكُوفَة من أشْرَافهم: قُمْ فأتِني بهِ، قال: اعْفِني أصْلَحَكَ اللهُ من ذلك؛ إبْعَثْ غيري. قال: لَعْنَة الله عليك خَبِيْثًا مُخَبَّثًا، والله لتأتينِّي بهِ أو لأقْتُلنَّكَ، فخرج الرَّجُل حتَّى دَخَل عليهِ، فأخَذَه وأخْبَر حُجْرَ الخَبَر، فقال له: ابْعَث إلى جَرِير بن عَبْد الله فليُكَلِّمه فيك، فإنِّي أخاف أنْ يَعْجَل عليك، فدَخَل جَرِير على زِيَادٍ فكَلَّمه فقال: هو آمَنُ من أنْ أقْتُلَهُ ولكن أُخْرجهُ فأبْعَثُ به إلي مُعاوِيَة، فجاءَ به على ذلك، فأخرجَهُ من الكُوفَة ورَهْطًا معه، وكَتَبَ إلى مُعاوِيَة: أنْ أغْنِ عنِّي حُجْرًا إنْ كان لك فيما قِبَلي حاجة، فبَعَثَ مُعاوِيَة فتُلَقِّيَ بالعَذْرَاء، فقُتِلَ هو وأصْحَابه، ومَلَكَ زِيَاد العِرَاق خَمْس سنين، ثُمَّ ماتَ سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين.
قُلتُ: هكذا جاء في هذه الرِّوَايَة: فيهم الأشْعَث بن قَيْس، وهو وَهْمٌ فَاحِشٌ، فإنَّ هذه القِصَّة كانت في سَنَة إحْدَى وخَمْسِين أو في سَنَة خَمْسِين، والأشْعث مات في سَنَة أرْبَعيْن قَبْل هذه الوَاقِعَة بإحْدَى عَشْرة سَنَةً، وقد ذَكَرنا فيما نَقَلْنَاهُ عن ابن دِيْزِيْل أنَّ الّذي طَلَبَ منه مُعاوِيَة إحْضَار حُجْرٍ إليه هو مُحَمَّد بن الأشْعَث.
والعَجَب أنَّ الحافِظ أبا القَاسِم ذَكَرَ هذه القِصَّة بهذا الإسْنَاد ولم يُنَبِّه على هذا الوَهْم.