للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكَتَب عَمْرو بن حُرَيْثٍ بذلك إلى زِيَاد، وكَتَبَ إليه: إنْ كانت لك حَاجَةٌ بالكُوفَةِ فالعَجَل، فأغَذَّ زِيَاد السَّير حتَّى قَدِمَ الكُوفَة، فأرْسَل إلى عَدِيّ بن حَاتِم، وجَريْر بن عَبْدِ الله البَجَليّ، وخَالِد بن عُرْفُطَة العُذْرِيّ حَلِيْف بَني زُهْرَة، وإلى عِدَّة من أشْرَاف أهْل الكُوفَة، فأرْسَلهُم إلى حُجْرُ بن عَدِيّ ليُعْذِر إليه ويَنْهاهُ عن هذه الجَمَاعَة، وأنْ يكُفّ لِسَانَهُ عن ما يَتَكَلَّم به، فأتَوهُ، فلَم يُجِبْهم إلى شيءٍ، ولم يكَلِّم أحدًا منهم وجَعَل يَقُول: يا غُلَامُ، اعْلِف البَكْرَ! قال: وبَكْر في ناحيةِ الدَّار، فقال له عَدِيّ بن حَاتِم: أمَجْنُون أنتَ، أُكَلِّمُكَ بما أُكَلِّمُكَ به، وأنْتَ تقُول يا غُلَام اعْلِف البَكْرَ! فقال عَدِيّ لأصْحَابه: ما كُنْتُ أظُنّ هذا البائسَ بلَغَ به الضَّعْفُ كُلَّ ما أرَى، فنَهَضَ القَوْمُ عنه، وأتَوا زيادًا فأخْبَرُوه ببعضٍ، وخَزَنُوا بعضًا، وحَسَّنُوا أمْرَهُ، وسَألُوا زيَادًا الرِّفْقَ به، فقال: لسْتُ إذًا لأبي سُفْيان! فأرْسَلَ إليه الشُّرَطَ والبُخاريَّة، فقَاتلَهُم بمَنْ معه، ثمّ انْفَضُّوا عنه، وأُتِيَ به زِيَادٌ وبأصْحَابهِ (a)، فقال له: وَيْلكَ ما لكَ؟ قال: إنِّي على بَيْعَتي لمُعاوِيَة لا أقيْلُهَا ولا أسْتَقِيْلُها، فجمعَ زِيَادٌ سَبْعِين من وُجُوه أهْل الكُوفَة، فقال: اكتُبُوا شَهادتكمُ (١) على حُجْر وأصْحَابهِ، ففعَلُوا، ثمّ وَفَدَهم على مُعاوِيَةَ، وبَعَثَ بحُجْر وأصْحَابهِ إليه.

وبلَغَ عائِشَةَ الخَبَرُ، فبَعَثَتْ عبد الرَّحْمن بن الحَارِث بن هِشَامٍ المَخْزُوميّ إلى مُعاوِيَةَ يَسْأله أنْ يُخَلِّي سَبِيْلَهُم، فقال عبد الرَّحْمن بن عُثْمان الثَّقَفِيّ: جُذَاذها جُذَاذها (b)، لا يغن (c) بعد العام أثرًا، فقال مُعاوِيَة: لا أُحِبُّ أنْ أرَاهُم، ولكن


(a) كذا في الأصل كما عند ابن سعد وابن عساكر، ولا يخلو من اضطراب، ولعل صوابه ما وقع في سير أعلام النبلاء ٣: ٤٦٤: "وأتي به إلى زيادٍ وأصحابه".
(b) كذا في الأصل بالذال المعجمة، ومثله عند الطبري ٥: ٢٧٣، وعند ابن سعد وابن عساكر بالمهملة: جدادها، ومكررة عند ابن سعد.
(c) ابن عساكر: تَعنَّ، ابن سعد والطبري: لا تَعَنَّ أبْرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>