عليه وسلَّم بأصْحَابه حَوْلًا حتَّى انتَفَخت أقْدامُهُم، وأمْسَكَ الله خَاتِمَتها اثْنَى عَشَر شَهْرًا، ثُمَّ أنْزَل اللهُ تعالَى التَّخْفيفَ في آخر هذه السُّورة، فصَار قيامُ اللَّيْل تَطوُّعًا بعد إذ كانت فَرِيْضَةً، فهَمَمْتُ أنْ أقومَ فبَدا لي فسَألتُها، فقُلتُ: أنْبئيْني عن وِتْرِ رسُولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقالت: كُنَّا نُعِدُّ له سِوَاكَهُ وطَهُورَهُ، فيَبْعَثهُ الله عزَّ وجلَّ لِمَا شاء أنْ يَبْعثه من اللَّيْل، فيَتَسَوَّكُ وهو يَتَوَضَّأ (a)، ثمّ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعاتٍ، لا يقعُد فيهنَّ إلَّا في الثَّامِنَةِ، فيَحْمد الله ويَذْكُره ويَدْعُو، ثمّ يَنْهض ولا يُسَلِّم، ويُصَلِّي التَّاسِعَة فيَجْلس فيَحْمد الله ويَذْكُره ويَدعُو، ثمّ يسُلّم تَسْليمًا يُسْمِعُنا، ثمّ يُصَلِّي رَكْعَتين وهو جَالِسٌ بعدما يُسَلِّم؛ فتلك إحْدَى عَشر رَكْعَةً. أي بُنَيَّ، فلمَّا أسَنَّ رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأخَذَ اللَّحْم، أوْتَر بسَبْعٍ، ثمّ صلَّى رَكْعَتَين وهو جَالِسٌ بعدما يسُلِّم، فتلك تِسْع. أي بُنَيّ، وكان رسُول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صَلَّى صَلَاةً أحبَّ أنْ يُدَاومِ عليها، وكان إذا غَلَبَهُ عن قيام اللَّيْل شيءٌ؛ نَوْمٌ أو وَجعٌ، صَلَّى من النَّهَار اثْنَى عَشر رَكْعَةً، ولا أعْلَم نَبيّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرأ القُرآن في لَيْلَة، ولا قام ليلَةً حتَّى أصْبَح، ولا صَام شَهْرًا كَامِلًا غير شَهْر رَمَضَان، قال: فرَجَعتُ من عندها فأتيْتُ على ابن عبَّاسٍ فأنْبَأته بحديثها، فقال: صَدَقَت، أمَا أنِّي لو كُنْتُ أدخُل عليها لشَافَهْتُها به مُشَافهةً، فقال حَكِيم بن أفْلَح: أمَا أنِّي لو كُنْتُ أعْلَم أنَّك لا تدخُل عليها ما أنبأتُكَ بحَدِيْثها.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ (١)، قال: قال لي التَّنُوخِيّ (٢): وُلِدَ أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار النَّحْوِيّ الفَارسِيّ بفَسَا، وقَدِمَ بَغْدَادَ فاسْتَوْطَنها، وسَمِعْنا منه في رَجَب من سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين وثَلاثِمائة. وعَلَتْ مَنْزِلتُه في النَّحو،