حتَّى قال قَوْمٌ من تَلامذَته: هو فَوْق المُبَرَّد، وأعْلَم منه. وصَنَّفَ كُتُبًا عَجِيْبَةً حَسَنَةً، لم يُسْبَق إلى مثْلها، واشْتُهِر ذِكْرُهُ في الآفاق. وبَرَع له غِلْمَانٌ حُذَّاق مثل: عُثْمان بن جِنّي، وعليّ بن عِيسَى الشِّيْرَازيّ وغيرهما. وخَدَمَ المُلُوك، ونَفَقَ عليهم، وتقَدَّم عند عَضد الدَّوْلَة، فسَمِعْتُ أبي يَقُول: سَمِعْتُ عَضُد الدَّوْلَة يَقُول: أنا غُلَام أبي عليّ النَّحْوِيّ الفَسَوِيّ في النَّحو، وغُلَام أبي الحُسَين الرَّازِيّ الصُّوْفيّ في النُّجُوم.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: سَمعْتُ القَاضِي أبا مَنْصُور العِمْرَانِيّ بآمِد يَقُول: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليَّ بن فَضَّالٍ النَّحْوِيّ يَقُول: كان عَضُد الدَّوْلَة يَقرأ الأدَبَ على أبي عليّ الفَارسِيّ، ويُبَالغ في إكْرَامِه، ويُحْضره معهُ المَائِدَة، فلمَّا كَبُرَ وأضَرَّ كان يُحْضِرهُ أيضًا على العَادَة المُسْتَمرَّة، وكان مِن رَسْمه أنَّهُ إذا فَرغ من الأكْلِ يلْتَفِتُ والفَرَّاش قائمٌ فيقْلب الماء على يَدِه، فاتَّفَقَ يوْمًا أنْ كان الفَرَّاشُ مَشْغُولًا، فلمَّا التْفَتَ الشَّيْخُ ليَغْسِلَ يَدَهُ اختلَسَهُ عَضُد الدَّوْلَةِ، وجاءَ فنَحَّى (a) الفَرَّاش فأخَذَ الإبْرِيْق وقلَبَ على يَده الماءَ، فجاءَ الفَرَّاش، فأوْمَأ إليه أنْ امْسك إلى أنْ فرَغَ، وأعْطاهُ المِنْدِيل فمسَح يَدَهُ، ورجَعَ إلى مكانِهِ، فقال الفَرَّاشُ: يا سَيِّدنا، تَعْلم مَنْ قَلَب على يدكَ الماءَ؟ فقال: أنْتَ، فقال: إنَّمَا كان مَوْلَانا عَضُد الدَّوْلَة، فقام الشّيْخ أبو عليّ قائمًا وقال: لو لم أجد من حَلَاوة العِلْم إلَّا هذا لكان فَضْلًا كَثيْرًا، ثمّ رَفَع يَدَيه نحو السَّماء وقال: أكْرَمَكَ اللهُ الّذي أكْرَمْتَني لأجْلِهِ، أكْرَمَكَ الله الّذي أكْرَمْتني لأجْلهِ، وجَعَل يُكَرِّرُه.
قَرأتُ بخَطِّ أبي مَنْصُور مَوهُوب بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الجَوَالِيْقِيّ، رَحِمَهُ اللهُ، في تَعْلِيقٍ له نقلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان، وأنْبَأنَا به شَيْخُنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ عنه،