قال فيما نقَله من خَطِّ ابن يهَان: قال أبو الفَتْحِ بعد أنْ دَعَا لأبي عليّ: كان إذا قَعَدَ على سَرِيره الّذي كان يَقْعُدَ عليه أوْقَاتَ درْسهِ لا يَرى العَالَم إلَّا دُوْنَهُ، وما كان يُفَكِّرُ في أحدٍ، حتَّى إنَّهُ كان إذا جَرَى حَدِيث عَضُدِ الدَّوْلَةِ قال: صَاحِبُ السَّطْح فعَلَ كذا، وصَاحِبُ السَّطْح قال كذا، وذلك لأنَّ المَلِك بشِيْرَاز كان يَقْعد في أكْثَر أوْقَاتهِ على سَطْحٍ له كان فيه مَجْلِسُه، فكان أبو عليّ يَجْري على ذلك ويقول: صَاحِبُ السَّطْح.
ثمّ قال أبو الفَتْح: وما كان مع ذلك إلَّا بحيثُ يَضَعُ نَفْسَهُ؛ فإنَّهُ كان فَوْق كُلِّ مَنْ نَظَر في هذا العِلْم، ولو عاشَ أبو العبَّاس وأبو بَكْرٍ وطَبَقَتُهما لأخَذُوا عنه بلا أَنَفَة، ولو أدْرَكه الخَلِيلُ وسِيْبَوَيْه لكانا يُقرَّان له ويَتَجمَّلان به. وقَرَأتُ عليهِ بالشَّام كتاب تَصْريف المَازِنِيّ، وكُنْتُ قليل المَعْرفَة إذ ذاك باللُّغَة، فسَأَلتُه عن شيءٍ من تَفْسِير اللُّغَة فيه، فنَظَر إليَّ مُغْضَبًا وعَبَّسَ وَجْهَهُ. قال أبو الفَتْح: وكَذَا طَرِيقةُ النَّحْوِيِّيْن.
قال (١): وذَاكَرْتُ بكتاب العَيْن يَوْمًا شَيْخَنا أبا عليّ، فأعْرَضَ عنه، ولَم يَرْضَهُ لِمَا فيهِ من القَوْل المَرْذُول، والتَّصْرِيْف الفَاسِد، فقُلْتُ له كالمُحْتَجِّ عليه: فإنَّ في تَصْنِيفه رَاحَة لطَالبِ الحَرْف؛ لأنَّهُ مُنْسَاقٌ مُتَوَجِّهٌ، وليس فيه التَّعَسُف الّذي في كتاب الجَمْهَرَة، فقال: أرَأيْتَ لو أنَّ رَجُلًا صَنَّف لُغَةً بالتُّرْكِيَّةِ تَصْنِيفًا حَسَنًا، هل كُنَّا نَقْبلُها منه ونَسْتَعملها!؟ أو كَلَامًا هذا نحوه؛ قد بَعُدَ عَهْدِي به.
وحَدَّثَنَا قال: حَدَّثَني أبو بَكْر، قال: ما رَأينا (a) كتاب العَيْن بسُرَّ مَنْ رَأى مع بعض أصْحَاب حُنَيْن، وكان أبو عليّ يَقُول (٢): لمَّا هَمَمْتُ بقراءةِ رِسَالة هذا الكتاب على مُحَمَّد بن الحَسَن، قال لي: يا أبا عليّ، لا تَقْرَأ هذا المَوضِع عليَّ، فأنْتَ أعْلَم به منِّي!
(a) كذا في الأصل وفوقه "صـ"، ولعل الصواب: لما رأينا، أو: قد رأينا.