للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّد بن الحَسَن هو: ابن دُرَيْد.

وممَّا نقلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان: قال ابنُ جِنّي (١): وحَدَّثَني أبو عليّ أنَّهُ وَقَع حَرِيقٌ بمَدِينَة السَّلام، فذَهَبَ له جميع عِلْم البَصْرِيِّيْن، قال: وكُنْتُ كَتَبتُ ذلك كُلّه بخَطِّي وقَرَأتُه على أصْحَابنا، فم أَجد من الصُّنْدُوق الّذى احْتَرق شيئًا البَتَّة إلَّا نصف كتاب الطَّلَاق، فسَألتُه عن سَلْوَتَهِ وعَزَائهِ عن ذلك، فنَظَر إليَّ مُعْجبًا، ثمّ قال: بَقِيْتُ شَهْرين لا أُكَلِّم أحدًا حُزْنًا وهَمًّا، وانْحَدَرْتُ إلى البَصْرَهَ لغَلَبَة الفِكْر عليَّ، وأقَمْتُ مُدَّهً ذَاهِلًا مُتَحيِّرًا.

وممَّا نقلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان، وذَكَر ابن بَرْهَان أنَّهُ نقلَهُ من خَطِّ أبي الحَسَن الزَّعْفَرَانيّ، ممَّا حَكَاهُ عن أبي عليّ: قال أبو عليّ: من كَثْرة احْتِشَامي وتَقَبُّضِي ما كُنْتُ أسْمعَ السَّمَاعات الكَثِيْرة، فلا أقول: سَمِعُوا لي، وإلَّا لو كُنْت ممَّن لا يَحْتَشم لقد كان من السَّمَاع لي بيد النَّاس غيرِ قليل. وكان أبو عليّ إذا عَبَّرَ عن لَفْظٍ ما، فلَم يَفْهَمه القَارِئة عليه وأعاد ذلك المَعْنَى عَيْنَهُ بلَفْظٍ غيره ففَهِمه، يَقُول: هذا إذا رأى ابنَهُ في قَمِيْصٍ أحْمَر عرفَهُ، وإذا رآه في قَمِيْصٍ كُحْلِيّ لَم يَعْرفه.

وكان رَحِمَهُ اللهُ خَشِنَ المَلْمَس، حَزْنَ المُتَنفَّس، يُريد من مُبْتَدِئي أصْحَابهِ أنْ يَفْهمُوا اللَّفْظَة من العِلْم بالكَشْف من القَوْل، وكان رُبَّما تَوقَّفَ بعضُهُم عن فَهْم ما يَقُوله، فيَنْبُو عنه، ويقُول له: يا هذا، ألَيْسَ قد مَضَى في ذلك اليَوْم لنا شيءٌ يُشْبِهُ هذا؟ ووالله ما نعلم (a) إلى شيءٍ يومي ولا كم بعد ذلك اليَوْم من يَوْم مَجْلسِهما، ولعلَّه أنْ يكُون منذ ذلك اليَوْم إلى وَقْتهما من الأُصُول والفُرُوع ما لا يُحِيْطُ بعِلْمه إلَّا الله خَالِقُهما.


(a) مهملة في الأصل، وفوقها "صـ"، ولا يخلو الكلام بعده من اضطراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>