للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّني أفصَحُ … مَنْ فَاهَ وأَجْرَى قَلَمَهْ

قُسٌّ إذا عَايَنني … خَيَّطَ بالعِيّ فَمَهْ

ولو رَأيْتُ سِيْبَوَيْـ … ـــهِ قُلْتُ: يَا نَحْوِيُّ مَهْ

والشِّعْرُ لا يَسْتَطِيعْ ما … أقُولُ منهُ علْقَمَهْ

والفِقْه قد فُقْتُ لعَمْـ … ـرو اللَّهِ فيهِ أُمَمَهْ

أَنْشَدَنِي رَجُل من أهْلِ الأدَب، وقال: كان مَلِكُ النُّحَاة يَهْوى امْرأة كانت له، فطلَّقها، فسُئِلَ: كيفَ حَالَهُ بعدَها؟ فأنْشَدَ لنَفْسِه (١): [من الطويل]

سَلَوتُ بحَمْدِ اللَّه عنها وأصْبَحت … دَوَاعي الهَوَى من نَحْوها لا أجيْبُها

على أنَّنِي لا شَامِتٌ إنْ أصَابَها … بَلَاءٌ ولا رَاضٍ بوَاشٍ يَعِيْبها

سَمِعْتُ قاضِي القُضَاة أبا المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، بقَرْيَة المِزَّة، قال: كان شَيْخُنا ابن المُنَقِّي رَجُلًا يُنَقِّيِ الحِنْطَة، فاشْتَغَل بالنَّحو وحَفِظَ سِيْبَوَيْه، ومَهَرَ في عِلْم النَّحو وبرَّزَ فيه حتَّى تَصَدَّر لإفَادته، وكان بينَهُ وبين مَلِك النُّحَاةِ مُنَاظَراتٌ في عِلْم الأدَب، وعند كُلّ واحِدٍ منهما من التَّعْظِيم والتَّفْخيم لأمْره شيءٌ كَثِيْرٌ، فأدَّى ذلك إلى أنْ صار بينهما عَدَاوَةٌ وإحَنٌ ومُهَاجَاةٌ، قال: فعَمِل مَلِكُ النُّحَاة في ابن المُنَقِّي: [من المنسرح]

ابن المنُقِّي نَقَاوَةَ السِّفَلِ … خُزِيْتَ يا ابنَ اللِّئَامِ من رَجُلِ

قال: وكان ابنُ المُنَقِّي ضَخْمًا أَيَّدًا، وكان مَلِكُ النُّحَاةِ يَخَافُ منه أنْ يَضْربَهُ، فَجَمعَ بينهما تَاجُ الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ وأصْلَح بينهما، وتَعَانَقا، وقَبَّل كُلُّ واحِدٍ منهما صَاحِبَهُ، وجَلَسَا عندَهُ بعد الصُّلْح، فقال ابنُ الشَّهرَزُورِيّ، أو غيره: مِمَّن


(١) البيتان في وفيات الأعيان ٢: ٩٣ - ٩٤، وتاريخ الإسلام ١٢: ٣٩٣، ومرآة الجنان لليافعي ٣: ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>