للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُلْبَيْس وفَاقُوْس، فإنِّي قد عَجزتُ عنهما لقلَّة فَائِدَتهما وكَثْرة غِشْيَان البَوَادِي لهما (a)، ولَم تكُن هاتان الضَّيْعَتان في يَد أخي! فَحَملتُ الكتاب وجئْتُ به إلى الإخْشِيْذ وقَرَأتُه عليه، فقال: هاتُوا حَدِيد بن الحَصَّان؛ يعني: كاتِب دِيْوَان الخَرَاج، فقال: في يَد أبي مُحَمَّد الحَسَن بن طَاهِر ضَمَان بلبيسِ وفَاقُوْس؟ قال: لا، قال: فأطْرَقَ، ثمّ قال: ما قَصَّرَ أبو مُحَمَّد فيما قالَهُ، عَزَم مُحَمَّد بن رَائِق يَجيْئنا على غَفْلَةٍ إلى مِصْر، فأشارَ أبو مُحَمَّد بحِفْظ فَاقُوْس وبُلْبَيْس، يَخْرج السَّاعَة إلى فَاقُوْس ثلاثة آلاف فارس ورَاجِل، وإلى بُلْبَيْس مثْلها، وتُزْاح عِلَلهم (b)، ويكُونُون على غَايةِ اليَقَظَة ولا يَنامُونَ اللَّيْل، ويَحْفظُونَ هذه المَوَاضعَ.

قال الحُسَينُ بن طَاهِر: فعَجِبْتُ من فِطْنَته، وكَتَبْتُ إلى أخي: قد أعْفَاك من ضَمَان فَاقُوْس وبُلْبَيْس وضَمَّنَهما ممَّن يَقْدر عليهما. لأنَّ الحَسَن بن طَاهِر كان يَتَّقي مُحَمَّدُ بن رائِق أنْ تقَع كُتبه في يَدِيهِ، فإنَّها وَقَعَتْ في يَديه مرَّةً، فحَدَّثني سُلَيمان بن الحَسَن (c) بن طَاهِر، قال: أرْسَل مُحَمَّد بن رَائِق إلى أبي فركبَ وأخَذَني معه، فدَخَلَ عليه وهو مُقَطّب، فلمَّا جَلَسَ لِمَ يكُن منه إليهِ الانْبِسَاط الّذي يَعْرفُه، فقال له: أيْشٍ خَبَر الأَمِير؟ فقال: قد وَقَعَتْ في أيْدينا كُتبُكَ إلى مُحَمَّد بن طُغْج، قال: مع مَنْ؟ قال: مع صَاحِبكَ المَعْرُوف بالزُّطِّيّ، فقال: سُبْحَان اللَّه، ما أصَابَ الأَمِير الدِّين ولا السِّيَاسَة! فأمَّا الدِّين؛ فنَهَى جَدِّي رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أنْ يَطَّلع أحدٌ في كتاب أخيهِ بغير أَمْره (d)، والسِّيَاسَة، انْخِرَاق الهَيْبَة، أَفَلَيْسَ يَعْلمِ الأَمِيرُ أنّي جئْتُه من قِبَل مُحَمَّد بن طُغْج، أَفَلِي بُدٌّ من مُكَاتبَته وتَعْظيم أمْره في غَيْبَتهِ، وأنْ أُطْلعَهُ على ما يَحْتَاجُ إليه، فهذه رُسُل الأرْض،


(a) الأصل: لها، والمثبت من المغرب لابن سعيد.
(b) المغرب لابن سعيد: عليهم.
(c) المغرب لابن سعيد: الحسين، وصوابه ما عند ابن العديم فإن الحسن بن طاهر هو من كان يُعْمل الحيلة لئلَّا تقع كتبه ورسائله في يد ابن رائق.
(d) المغرب لابن سعيد: إذنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>