للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على السُّوقَة والمُسْتخدَمينَ قَوْمٌ من الخُوْز وسَفِلَة العَجَم، ومَنْ كانت فيه فُسُوْلَةٌ عن الحرفَةِ، وكَسَلٌ عن طَلَب المَعاشِ، فأظهَرُوا زُهْدًا ووَرَعًا، وأعلَنُوا بالنَّصْبِ، فأَخَذَهُم اللهُ أخْذَ عزيز مُقْتدر.

قال: فأمَّا أهْلُ البَلَدِ، وأوْلادُ المُجَاهِدينَ، وأولاد الغِلْمَانِ، وأولاد خُرَاسَان؛ فكانُوا من الأخْلَاق السَّمْحَة، والنُّفُوس الكريمَة، والهِمَم العالية، والمَحَبَّة للغَريب، على ما ليس عليه أحَدٌ، ولكنَّهم كانُوا في تَقِيَّةٍ من هؤلاء الأوْبَاشِ، فهذا الأكْثر من حال طَرَسُوس.

وأمَّا ما سوى ذلك من مُدُن الثَّغْر، فعلى هذا الوَصْف، وهذا النَّعْت، وخاصَّة المِصِّيْصَة.

قال: وكان يُعْمل بها - يعني بالثُّغُور - ثياب كان تُسَمَّى الشَّفَايا، مثل رفيع الدَّبِيْقِيّ تُحْمل إلى كُلِّ بلَدٍ، وبالثَّغْر زَبِيْب لا عَجَم فيه كالقِشْمِشِ (a).

ويَقْطَع إلى الثُّغُور الجَارِح من بلد الرُّوم، فتُؤخَذ فيه البُزَاة الفُرَّه، وقد كان في جِبَال الثَّغْر أيضًا أوْكَارٌ للجَارِح والكِلابُ السَّلُوقيَّة المَوصُوفَة من بلاد سَلُوْقِيَة.

فهذه أحْوال الثَّغْر ومَنْ فيه، ولم تَزَل أحْواله تَجْري على الانْتظام والرَّخَاءِ والسَّلامَة، والغَزْو مُتَّصِلٌ، والمعايش رَغِدَةٌ، والسُّبُل آمنة، ما دامَ الغُزَاةُ إليهم من العِرَاق ومن مِصْر مُتَّصِلين، فلمَّا زَهِدَ النَّاسُ في الخَيْر، وقعَ بينهم في نُفُوسهم من التَّنافُسِ والتَّحاسد والغِلّ ما وَقعَ، وخَاصَّةً بين الغِلْمَان الثّمليَّة، وابن الزَّيَّات، والمَعْرُوف بسَيْف الدَّوْلَة عليّ بن عَبْد الله بن حَمْدَان.


(a) ويقال بالقاف أيضًا: الكِشْمِش، لسان العرب، مادة: کشمش.

<<  <  ج: ص:  >  >>