للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَب، وكان معنا ابن المُطَّلِب الكَاتِب، والحَسَن بن عليّ بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ، قال: فشَرِبا ليلةً، وخَرَجا من بين الخِيمَ، فتَعَثَّرا في أطْنَاب خَيْمَة زَنْكِي، فاضْطَرَبت الخَيْمَةُ، فأحَسَّ زَنْكِي بذلك، وسَأل عنه، فقيل له: هؤلاء سُكَارَى من أهْلِ بغداد، فأمَرَ بأنْ يُصْلَبا إذا طلَعَ الصُّبْح، فبَلغَ ذلك وَالدِي فركبَ قبل الصُّبْح، ووقفَ على ظَهْر دَابَّتهِ هو وأصْحَابهُ، فلمَّا اسْتَيْقَظ زَنْكِي رآهم فسَأل عن الحالِ، فقيل له: هذا جَلَال الدِّين يَشْفَعُ في أصْحَابه الّذين أخذُوا اللَّيْلة، وأمَرَ مَوْلَانا بصَلْبِهم، فقال: سَلِّمُوا إليه أصْحَابَهُ وأطْلقُوهم، قال: فأخَذناهُم ورَجعْنا إلى الخَيْمَة، فلمَّا عُدْنا لم يَرْجع الجُوَيْنِيّ معنا وأقام بقَلْعَة حَلَب من ذلك اليَوْم.

وأظُنُّ أنَّ الجُوَيْنِيّ تابَ في آخر عُمْرِه، وأقْلعَ عمَّا كان عليه، وله أشْعَارٌ تَدُلّ على ذلك سَنَذْكُر بعضها إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.

قَرأتُ بخَطِّ العِمَاد أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب (١)، وأخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عُمَر بن عليّ بن حَمُّوْيَه، شَيْخُ الشُّيُوخ بدِمَشْق بها، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: فَخْر الكُتَّاب، الحَسَنُ بن عليّ الجُوَيْنِيّ، المُقِيْم بمِصْر، ذو الخَطّ الرَّائق، واللَّفْظ الشَّائق، والخُلُق العَذْب، والصَّدْر الرَّحْب، كَتَبَ إليَّ يَسْتَدْعي أقْلَامًا وَاسِطيَّةً: [من الكامل]

تقُولُ يَدِي عندَ افْتِقَادِ يَرَاعِها الأ … صَمِّ السَّمِيْعِ الأخْرَسِ المُتَكَلِّمِ

إلى كم أُمَنَّى بالجَوَادِ المُسَوَّمِ الأ … نيقِ لعَيْنِ النَّاظِرِ المُتَوسِّمِ

أُقَوِّمُ زَيْغَ الخَطِّ منه بحَاذِقٍ … صَبُورٍ جَلِيْدٍ وَاسِطِيّ مُقَوَّمِ

أَغَيْر الأجَلِّ العَالَم الصَّدْر أنْتَخي … بذاكَ عَزِيز الدَّوْلَة بنَ المُقَدَّمِ

أَغَيْرَ عِمَادِ الدِّين أرْجُوهُ سَيِّدًا … يشُيِّدُ مِن خَطِّي الصَّنيْعِ المُنَمنَمِ


(١) بعض كلامه دون الشعر في الخريدة ٤: ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>