قَرأتُ بخَطِّ أبي البَرَكَات بن أبي جَرَادَة: أنْشَدَني فَخْرُ الكُتابِ، حَرَس اللَّهُ عِزَّهُ، لبَعْض العِرَاقِيِّيْن (١): [من الرمل]
يَنْدَم المَرْءُ على ما فاتَهُ … من لُبَاناتٍ إذا لَمْ يَقْضها
وتَرَاهُ فَرِحًا مُسْتبشِرًا … بالَّتي أَمْضَى كأن لم يُمْضِهَا
إنَّها عِنْدِي وأحْلَامُ الكَرَى … لقَرِيْبٌ بَعْضُها من بَعْضِها
وَجَدْتُ بخَطِّ الحَسَن بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ من شِعْره أبْيَاتًا حَمَلَها إليَّ بعضُ الأصْدِقَاء بدِمَشْق، فنَقَلتها، وهي: [من المنسرح]
ما ينفَعُ القُرْبُ وَهْوَ مُجْتنِبُ … فكم بَعِيْدٍ ودَارُهُ كَثَبُ
إذا الوِصَالُ أنتَأتْ مَطَالبُهُ … فما يَدٌ للدُّنُوِّ تُحْتَسبُ
يَشْجُو فُؤادِي الهَوَى وليسَ لَهُ … في مُخْلِصٍ مِن عَذَابهِ أَرَبُ
ما حِيْلَةُ الصَّبّ في هَوَى رَشَأ … تُبْعِدُهُ مِن وِصَالِهِ القُرَبُ
فلا نَوَالًا هَوَاهُ يَبْذُلُهُ … ولا مَزَارًا خَيَالُهُ يَهَبُ
ظَبْيٌّ هَوَاهُ للقَلْب مُجْتَذِبٌ … لكِنْ رضَاهُ للصَّبِّ مُجْتَنَبُ
لكُلِّ قَلْبٍ جَمَالُ صُوْرَتِهِ … على جَمِيل العَزَاءِ مُغْتَصبُ
كأنَّ في صَحْنِ خَدِّهِ قَبَسًا … بِأنْفُسِ العَاشِقينَ يَلْتَهبُ
نارٌ على القَلْبِ مِن تَوَرُّدِها … برْدٌ وفيهِ مِن بَعْدِها لَهَبُ
سُقْيًا لعَيْشٍ منَّ النَّعِيْم بهِ … كانَت ذُيولُ السُّرُورِ تَنْسَحبُ
أيَّام مَجْنى هَوَاي في ظِلِّها الـ … ــوصْل ومَرْعَى هُمُومي اللَّعِبُ
بينَ شُمُوسٍ تُظِلُّها سُدَفٌ … على غُصُونٍ تُقِلُّها كُثُبُ
في رَبْعِ لَهْوي بالكَرْخ يا حَبَّذَا الـ … ـــكَرْخ مَحَلًّا وحبَّذَا حَلَبُ
(١) الأبيات في وفيات الأعيان ٢: ١٣٢.