للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغَزَاة بلاءً حَسَنًا، ودَوَّخ أرضَ الرُّوم حتّى سَمّوه التِّنِّين (a)، وكان معه في غَزَاتِه مَنْدَل العَنَزِيّ المُحَدِّث الكُوْفيّ، ومُعْتَمِر بن سُلَيمانَ البَصْرِيّ.

قال (١): وحَدَّثَني مُحمَّد بن سَعْد، قال: حَدَّثَني سَعْد بن الحَسَن، قال: لمَّا خَرَجَ الحسَنُ من بلادِ الرُّوم، نزلَ مَرْج طَرَسُوس، فرَكِب إلى مَدِينتها وهي خَرَاب، فنظرَ إليها، وأطافَ بها من جمِيع جِهَاتِها، وَحَزَرَ عدَّة مَنْ يَسْكنها فوجَدَهُم مائةَ ألفٍ، فلمَّا قَدِمَ على المَهْدِيّ، وصفَ لهُ أمْرَهَا، وما في بنائها وشِحْنَتها من غَيْظِ العَدُوّ وَكَبْتِه، وعزّ الإسْلام وأهلهِ؛ وأخْبَرَهُ في الحَدَثِ أيضًا بخبِرِ رَغَّبَهُ في بناءِ مَدِينته (b)، فأمرَ ببناءِ طَرَسُوس، وأنْ يُبْدَأَ بمَدِينَة الحَدَثِ، فبُنِيَت، وأوْصَى المَهْدِيُّ ببناء طَرسُوس.

فلمَّا كانت سَنَة إحْدَى وسَبْعِين ومائة، بلَغَ الرَّشِيد أنَّ الرُّوم قد ائتَمَروا بينهم بالخُرُوج إِلى طَرَسُوس لتَحْصِينها وتَرْتِيب المُقاتِلة فيها، فأغْزَى الصَّائِفَةَ في سَنَة إحْدَى وسبْعِين ومائة هَرْثَمَة بن أَعْيَن، وأمَرَهُ بعِمَارَة طَرَسُوس وبنائها وتَمْصِيرها، ففَعل، وأجْرَى أمرَها على يدي فَرَج الخَادِم أبي سُلَيْم بأمر الرَّشِيدِ فَوُكِّل ببنائها، ووَجَّهَ أبو سُلَيْم إِلى مَدِينَة السَّلام، فأشْخَصَ النُّدْبَةَ الأُوْلَى من أهل خُرَاسَان، وهُم ثلاثة آلاف رَجُلٍ، فوَرَدُوا طَرَسُوس، ثمّ أشْخَصَ النُّدْبَةَ الثَّانيَةَ وهُم ألفا رجُلٍ: ألفٌ من أهْلِ المِصِّيْصَة، وألفٌ من أهل أَنْطاكِيَة، على زِيَادةِ عَشَرة دنانير لكُلِّ رَجُلٍ في أصْلِ عَطائه، فعَسْكَرُوا مع النُّدْبَة الأُوْلَى بالمَيْدَان على باب الجِهاد في مُسْتَهَلِّ المُحَرَّم سَنَة اثْنتَيْن وسَبْعِين ومائة، إلى أنْ اسْتَتَمّ بناءُ طَرَسُوس وتَحْصِينها، وبناء مَسْجِدها؛ ومَسَحَ فَرَج ما بين النَّهْر إلى النَّهْر، فبلغ ذلك


(a) في نشرة البلاذري: الشَّيْتَن، وفي نسخة أخرى "الشيطان"، والمثبت موافق لما في الطبري: تاريخ ٨: ١٤٢، والأزدي: تاريخ الموصل ٢٤٢، وابن الأثير: الكامل ٦: ٥٨، والذهبي: تاريخ الإسلام ٤: ٢٧٣.
(b) فتوح البلدان: مدينتها، والنسبة إلى الحدث كحصن.

<<  <  ج: ص:  >  >>