للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْضر لي قَوَالب لعَمَل سُخُوتٍ، فأحْضرْتُها له، فأوَّل ما وَقَعَتْ يَدُه على قَالبٍ فيه صُوْرَة البَقَر، وقد كُنْتُ غَفَلْتُ عن الحَدِيْثِ، فعَجِلَ وقال: يا أُسْتَاذُ، ما تُخَلِّينا من يَدكَ! فلَم يَتْرُك الظّرْفَ واللُّطْفَ مع جَلَالَة قَدْرِه، وكِبَر سِنِّهِ.

أخْبرَني أبو عليّ الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل (a) القيْلَويّ بحَلَب، قال: قَرَأتُ في بَعْض مُطَالَعاتي أنَّ الشَّريف أبا يَعْلَى ابن الهَبَّارِيَّة كان له رَسْم على الوَزِير نِظَام المُلْك، فنَظَم قِطْعَتَين من الشِّعْر، أحدَيْهُما يَمْدَحُهُ فيها ويَقْتَضيه رَسْمُه، والأُخْرى يَهْجُوه فيها، وتَرَك الوَرَقتَيْن اللَّتَيْن فيهما الشِّعْر في عِمَامَته، وحَضَر عندَ نِظَام المُلْك، وأرَادَ أنْ يَدْفَع إليهِ الرُّقْعَة الّتي فيها الاقْتِضَاءُ، فدَفَعَ إليهِ الأبْيَات الّتي هَجَاهُ فيها، وإذا فيها مَكْتُوبٌ (١): [من الكامل]

لا غَرْوُ أنْ مَلَكَ ابن إسْـ … ـحَاق وسَاعَدَهُ القَدَرْ

وصَفَا لدَوْلَتِهِ وخَـ … ـصَّ أبا الغَنائِم (b) بالكَدَرْ

فالدَّهْر كالدُّوْلَاب لَيْـ … ـسَ يَدُورُ إلَّا بالبَقَرْ

يَعْني بأبي الغَنائِم تَاج المُلْك، وكان من أصْحَابِ السُّلْطان مَلِكْشَاه، وكان بين نِظَام المُلْك وبينه عَدَاوَة.

قال: فلمَّا قرأ نِظَام المُلْك الأبْيَات وقَّعَ على رَأسها: يُطْلَقُ لهذا القُوَّادِ رَسْمُهُ مُضَاعَفًا، ونَاولَهُ إيَّاها، فأخَذَ ابن الهَبَّارِيَّة الرُّقْعَة، فلمَّا نَظَرها أخَذَ يَعْتَذرِ، فقال له النِّظَام: لا تَقُلْ شيئًا، وخُذ الرُّقْعَةَ، وامْض إلى الدِّيْوَان، فمَضَى وأخَذَ رَسْمَهُ.


(a) كذا سمَّاه في هذا الموضع منسوبًا إلى جده، واسمه الحسن بن محمد بن إسماعل، تقدم ذكره. وانظر ترجمته في الوافي بالوفيات ١٢: ٢١٨.
(b) الوافي والنجوم الزاهرة: أبا المحاسن، وأنه صهر نظام الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>