للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للأمِيْر بَكْبُرْد، وكان من خَوَاصِّهِ: كُنْ معهم حتَّى لا يُحَرِّفُوا ما يقُولُ. فأتَوا إلى نِظَام المُلْك وقَالُوا له، فقال: نعم، قولُوا له: أمَا عَلمَ أنَّني شَرِيكُه في المُلْك، أوَ مَا يَذْكُر حين قُتِلَ أبُوه كيفَ قُمْتُ بتَدْبِير أمْره، واعْلمُوا أنَّ ثباتَ القَلَنْسُوَة مَعْذُوق بفَتْح هذه الدَّوَاة، ومَتَى أطبقَت هذه، زالَتْ يك الّتي يقرّ. فقال له الرُّسُل: قد كَبِرْتَ يا مَوْلَانا وقد ضَجِرْتَ، وقد أثَّر فيك الأمْرَان وعَدَلَا بك عن الرَّأي الّذي ما زَالَتِ الآراءُ معه، فقال لهم: قُولُوا للسُّلطَان عنِّي ما أردْتُم، فقد دَهَمني ما لحَقَني من تَوْبيخهِ!

فلمَّا خَرَجُوا من عنده، قالوا: الصَّوَابُ أنْ لا نَذْكُر ما قالَهُ، وعَرَّفُوا بَكْبُرْد حُرْمَة مَكَانهِ، وسَألُوه أنْ لا يُخْبر بما جَرى، فلم يَفْعَل، ومَضَى بَكْبُرْد من حاله وأخْبَر السُّلْطان، وبَكَّر الجَمَاعَةُ، فوَجَدُوا السُّلْطان جالِسًا يَنْتظرهُم، فقال لهم: ما قال لكُم؟ قالوا: قال أنَا وأوْلَادِي عَبِيْد دَوْلتَه، فقال السُّلْطان: لَم يَقُل هكذا، ثمّ وقَع التَّدْبِير في أمْره.

وقال: في لَيْلَة السَّبْت عَاشِر شَهْر رَمَضَان قُتِلَ نِظَام المُلْك في نَهَاوَنْد، بين نَهَاوَنْد والسَّحْنَة (١)، وهو سَائِرٌ مع العَسْكَر إلى بَغْدَاد، وذلك بعد أنْ فَرغَ من إفْطَاره، وتفرُّق مَنْ كان على طَبَقه من العُلَمَاءِ والفُقَرَاءِ والأجْنَادِ، وحُمِلَ في محَفَّة إلى مَضْرب حُرَمهِ، فأتاهُ صَبيٌّ دَيْلَميٌّ في صُوْرة مُسْتَمِيْح ومُسْتَغِيْث، فضَرَبَهُ بِسِكِّين كانت معه فقَضَى عليه، وهَربَ، فوَقَع في عَثْرة عَثَرَها بطَنب خَيْمَة فأُدْرِكَ فقُتِلَ، ورَكِبَ السُّلْطان مَلِك شَاه إلى مُخَيَّم نِظَام المُلْك، وسَكَّنَ معَسْكَره.

وحُكي أنّ أحَدَ الصَّالحين قال لنِظَام المُلْك وهُم في الإفْطَار: رَأيْتُ في بَارِحَتنا كأنَّ رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أتاكَ وأخَذَكَ فتَبعْتُهُ، فقال: ارْجع أيُّها الرّجُل فلهذا أَبْغيّ، فأَوَّلَها.


(١) السحنة: موضع قرب همذان. ياقوت: معجم البلدان ٣: ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>