بل جُنّ جِنَّانُه، ورقَص (a) شَيْطَانُه: [من الطّويل]
بهِ جنَّة مَجْنُونَة، غير أَنَّها … إذاحَصَلَتْ منها ألَبُّ وأعْقَلُ
قال (١): وكان أبو القَاسِم مَلُولًا، والمَلُولُ رُبَّما مَلَّ الملَالَ، وكان لا يَمَلُّ أنْ يمَلّ، ويَحْقدُ حِقْدَ مَنْ لا تَلين كَبِدُه، ولا تَنْحَلُّ عُقَده.
قال (٢): وقال لي بعضُ الرؤسَاءِ: أنْتَ حَقُود ولَم يَكُن حَقُودًا! فقُلتُ لَهُ: أنْتَ لا تَعْرفُهُ، واللّه ما كانَ يُحْني عُوْدُه، ولا يُرْجَى عَوْدُه، وله رأيٌ يُزَيّنُ له العُقُوقَ، ويُمَقِّتُ إليهِ رِعَايَةَ الحُقُوق، بعيدٌ من الطَّبع الّذي هو للصَّدِّ صُدُود، وللتَّآلف أَلُوْفٌ وَدُود، كأنَّهُ من كِبْرِه قد رَكِبَ الفَلَك، واسْتَوى على ذَاتِ الحُبُك، ولَسْتُ ممَّن يرغَبُ في رَاغبٍ عن وُصْلَتِه، أو يَنْزعُ إلى نَازِع خُلَّته، فلمَّا رأيته سَادِرًا، جَارِيًا في قلَّة إنْصَافي على غُلْوائهِ، مَحَوْتُ ذِكْرَهُ عن صفْحَةِ فُؤادِيّ، واعْتَدَدْتُ وُدَّه فيما سَالَ به الوَادِي. وأنْشَدْتُ الرَّجُلَ أبْيَاتًا أعْتَذرُ فيها عن قَطْعي له (٣): [من الطّويل]
فلو كان منهُ الخَيْرُ إذْ كان شَرُّهُ … عَتِيْدًا لقُلْنا إنَّ خَيْرًا مع الشَّرِّ
ولو كان إذ لا خَيْرَ لا شرَّ عندَهُ … صَبَرْنا وقلنا لا يَريْشُ ولا يَبْرِي
ولكنَّهُ شَرٌّ ولا خَيْرَ عندَهُ (a) وليسَ على شرٍّ إذا دَام من صَبْرِ
قال (٤): وبُغْضِي له، شَهِدَ اللّه، حَيًّا ومَيِّتًا، أوْجَبَهُ أخْذُهُ مَحَارِيْبَ الكَعْبَة، الذَّهَبَ والفِضَّةَ، وضَرَبَها دَنَانِيْرَ ودَرَاهِم، وسَمَّاها الكَعْبيَّةَ (٥)،