للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَهُونُ عليه أنْ تُسَاعِفَهُ المُنى … وأُرْجَمَ يَوْمَ البَعْث في لَهَبِ الجَمْرِ

وما زَال هِجْرَانِيْهِ حتَّى تَرَكتُهُ … جَديْثًا برَغْمِي مُوْدَعًا أضْلُعَ القَبْرِ

لقد كادَ ذَاكَ القَبْرُ يَوْمَ أزُوْرُهُ … يُعَلِّقُ ثَوْبي شَاكِيًا ألَمَ الهَجْرِ

بنَفْسِيَ مَنْ خَوْفي مِنَ الإثْمِ قَادَني … إلى الإثْمِ فاسْتَوْفيْتُ مِن قَتْلِهِ وِزْرِي

مَضَى والتُّقَى والحُسْنُ حَشْوُ ثِيَابِهِ … وأوْرَثَني منهُ الأسَى آخِرَ العُمْرِ

وقال في مثْل ذلك أيْضًا (١): [من الطويل]

تَرَكْتُ بشَطِّ النِّيْل لي سَكَنًا فَرْدًا … حَبَسْتُ عليهِ الدَّمْعَ أنْ يَطَأ الخَدَّا

غَزَالٌ طَوَاهُ المَوْتُ من بَعْد هَجْرَةٍ … أطَعْنَا فلا كُنَّا بها الأسَدَ الوِرْدَا

فسَقْيا لمَهْجُور الفِنَاءِ كأنَّني … أعُدُّ له ذَنْبًا وأَطْوِي له حِقْدَا

أُسَمِّيهِ من فَرْط الصَّبَابَةِ مَضْجعًا … ولو طَاوَعَتْ نَفْسِي لسَمَّيْتُه لَحْدَا

وآخِرُ عَهْدِي من حَبِيبي أنَّهُ … مَضَى يَحْسَبُ الإعْرَاضَ عن هَجْرَه قَصْدَا

وزَوَّدَني يَوْمَ الحِمَام صَحِيْفَةً … وفي شعَارٍ لا جَدِيْدًا ولا جَرْدَا

قال يَصِفُ أنَّ ذلك الأَلِيْف، يَوْم مَوْتهِ، كَتَبَ إليه رُقْعَةً يَسْتَوْدعهُ فيها العَهْد الّذي بينَهُ وبيْنَهُ، ويَحْتَسبُ الله عليه في هجْرَانهِ، وأنفَذَ إليه معها إزارًا كان كَثِيْر الالْتِحَاف به على سَبِيْل التَّذْكَار.

أُدَاوِي بهِ تِخْفَاق قَلْبي كأنَّني … أَضُمُّ إليه صَاحِبَ البُرْدِ لا البُرْدَا

وقد كُنْتُ بالتَّقْبِيْل أمْحُو رِقَاعَهُ … فصِرتُ بماءِ الدَّمْع أَغْسلها وَجْدَا

عَدمْتُ فُؤادِي كَم أُرجِّي انْصِدَاعَهُ … ويَبْقَى على غَدْر الزَّمانِ صَفًّا صَلْدا (a)

بَكَيْتُ دَفِيْنًا ليْتَهُ كان باكيًا … عليَّ فقَاسَى دُوْنِيَ الثُّكْلَ والفَقْدَا


(a) الديوان: جلدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>