خُرُوجَه إلى وَاسِط، وكَتَبَ فَخْر المُلْك بحرَاسَتهِ هناك ومَعْرفَة حَقِّهِ، وأقام مُدَّةً على هذه الجُمْلَة من أمْره، حتَّى إذا تُوفِّي فَخْر المُلْك شَاع في إصْلَاح القَادِر باللهِ، واسْتِعْطَاف رَأيهِ، وإبْرَاءِ سَاحتِه عنده ممَّا كان ظَنَّ به وقَدَّر فيهِ.
وعَادَ إلى بَغْدَاد وأقامَ أيَّامًا بها، ثمٍّ مَضَى إلى قِرْوَاش بن المُقَلَّد أمير العَرَب، وسَارَ معه إلى الموصل فأقام بها مُدَيْدَةً يَسِيْرة، وخَافَهُ المَعْرُوف بابنِ أبي الوَزِير الكَافِي، وكان إذ ذاكَ وَزِيرًا لقِرْوَاش، ومُدَبِّرًا لأُمُور دَوْلته، فَحَمَل إليهِ مَالًا كَثيْرًا، وتقدَّم له بالرَّحِيْلِ، فسار عنها مُتَوَجِّهًا إلى ديَار بَكْر، وأميرها إذ ذاك نَصْر الدَّولَة أبو نَصْر أحْمَد بن مَرْوَان الكُرْدِيّ (١)، فأقامَ عنده مُدَّةً على سَبِيْل الضِّيَافَة، ثُمَّ خُوْطِبَ في التَّصَرُّف، ففَعَلَهُ بعد إباءً شَديدٍ، وامْتِناع كَثِيْر، وكانت لبْسَته إذ ذاك المُرقَّعة والصُّوف، ولم تَمْض إلَّا مُدَّة يَسِيْرة حتَّى غيَّر ذلك اللِّبَاس، وظَهَر أمره بعد الالْتِبَاس، وانكشَفَت حالهُ لجيع النَّاسِ، وجرت حاله على ما قال، وقد ابْتَاع غُلامًا تُرْكيًّا كان يَهْوَاه قبل أنْ يَبِيْعه منه مَوْلاهُ (٢): [من الوافر]
تبدَّل من مُرَقَّعَةٍ ونُسْكٍ … بأنْوَاعَ المُمَسَّكِ والشُّفُوفِ (a)
وعَنَّ له غَزَالٌ، ليس يُحْوي … هَوَاه ولا رضاهُ بلُبْسِ صُوْفِ
فعادَ أشَدَّ ما كان انْتهاكًا … كذاك الدَّهْرُ مُخْتلفُ الصُّرُوفِ
وأقامَ هُناكَ مُدَّةً طَوِيلَةً في أعْلَى حالٍ، وأصَلّ رُتْبةٍ، وأعْظَم مَنْزِلةٍ، ثمّ كُوْتِبَ من المَوْصِلِ بالمَسِيْر إليها، وعَرَض عليه صاحِبُها وزَارَتَهُ، وذلك بعد وَفَاةِ الكَافِي وَزِيره، فسَار عن مَيَّافَارقِين ودِيَار بَكْر على سَبِيْل اعْتِبَار الأعْمَال، وتَصَفُّح