عبد الصَّمَد الدِّئَليَّ أبو إسْمَاعِيْل المُنْشِئ المَعْرُوف بالطُّغْرَائيّ، من أهْلِ أصْبَهَان، كان يتَوَلَّى الطُّغْرَى للسَّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشاه، وهي عَلَامَةً تُكْتَب على التَّوْقِيعاتِ، ثمّ وَلَّاهُ الإشْرَاف على المَمْلكًة في بعضِ الأوْقَاتِ، ثمّ عَزَلَهُ وأمرَهُ بلُزُوِم مَنْزِله، وكان ابنُه أبو المُؤيَّد مُحَمَّد بن الحُسَين يَلي الطُّغْرَى للسُّلْطَانِ أبي الفَتْح مَسْعُود بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه، فلمَّا قَوِي أمرُ مَسْعُود في سَنَةِ ثلَاث عَشرة وخَمْسِمائَة، قَصَدَهُ الأُسْتَاذُ أبو إسْمَاعِيْل ولَجَأ إليهِ، فتَلَقَّاهُ بالإكْرَام، وِوَلِّاهُ الوِزَارَة في شَهْر رَبيع الأوَّل من السَّنَةِ المَذْكُورَة، ولقَّبَهُ قَوَام الدِّين، وسَارَ في الجَيْشِ مع مَسْعُود إلى باب هَمَذَان لقِتَالِ مَحْمُود، فانْهَزَم المُعَسْكَر المَسْعُودِيّ، وأُخِذَ أبو إسْمَاعِيْل الوَزِير أسِيْرًا إلى حَضْرة السُّلْطانِ مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه، فقَتَلَهُ.
وكان من أفْرَادِ الدَّهْرِ، ومن أعْيَان العَصْر، غَزيِر الفَضْل، كَامِل العَقْلِ، حَسَن المَعْرْفَة باللُّغَة والأدَب، أقْوَم أهْل عَصْره بصَنْعَة الشِّعْر وإنْشَاء الرَّسَائِل، وشِعْره ألْطَف من النَّسِيم، وأرَقّ من حَوَاشِي النَّعِيم، وكان أَطْرَف أهْلِ زَمَانهِ.
قَدِمَ بَغْدَاد، وأقام بها مُدَّةً طَوِيلَةً، وجَالَسَ فُضَلَاءَها، ورَوَى بها شَيئاً من شِعْره، رَوَى عنهُ من أهْلها الشَّريفُ أبو السَّعَادَاتِ ابن الشَّجَرِيّ، وعِليّ بن أحْمَد الدُّرْدَائِيّ، ومُحَمَّد بن أَسْعَد بن الحَلِيْم الفَقِيه الحَنَفِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن مُحْمِّد بن الإخْوَة.
وقال: كانت الوَقْعَةُ بين السُّلْطانِ مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه وأخيهِ مَسْعُود بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه بباب هَمَذَان فِي عَصْر يَوْم الخَمِيْس تاسع عَشر رَبِيع الأوَّل من سَنَة أرْبَع عَشرة وخَمْسِمائَة، فانْهَزَم مَسْعُود وعَسْكَره، وأُخِذَ من جُمْلَتهم الوَزِير أبو إسْمَاعِيْل الطُّغْرَائِيّ مأسُوْراً إلى حَضْرة السُّلْطان مَحْمُود، فأمَرَ بقَتْلهِ فقُتِلَ وقد جاوَزَ السِّتِّين من عُمْره، رَحِمَهُ اللهُ.