هَرَاة وذلك في سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين ومَائتَينْ. قال: وسَمِعْتُ أبا عليّ الحافِظ يَقُول: اسْتَأذَنْتُ أبا بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة في الخُرُوج إلى العِرَاق سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة فقال: تُوْحشُنا مُفَارقَتُكَ يا أبا عليّ، وقد رحلتَ وأدْرَكتَ الأسَانِيْد العَاليَة، وتقدَّمْتَ في حِفْظ الحَدِيْثِ، ولنا فيك فَائِدَةٌ وأُنْسُ؛ فلو أقَمْتَ؟ فما زلْتُ بهِ حتَّى أذِنَ لي فَخَرَجتُ إلى الرَّيّ وبها عليّ بن الحَسَن في سَلْم الأصْبَهَانِيّ، وكان من أحْفَظ مَشَايخِنا وأثْبَتهم وأكْثَرهم فَائِدَةً، فأفادَني عن إبْراهيمِ بن يُوسُف الهِسِنْجَانِيّ وغيره من مَشَايخِ الرَّيّ ما لَم أكُن أهْتَدي أنا إليهِ، ودَخَلْتُ بَغْدَاد وجَعْفَر الفِرْيَابِيّ حيٌّ وقد أمْسَك عن التَّحْدِيثِ، ودَخَلْتُ عليه غير مَرَّة، وبَكَيْتُ بينَ يَدَيْهِ، وكُنَّا نَنْظُر إليهِ حَسْرةً، وماتَ وأنا ببَغْدَاد سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثِمائة، وصَلَّيْتُ على جنَازَته.
قال الحاكِم: انْصَرف أبو عليّ من مِصْر إلى بَيْت المقدِس ثمّ حَجَّ حِجَّة أُخرى، ثمّ انْصَرَفَ إلى بَيْتِ المَقْدِس، وانْصَرَفَ على طَريق الشَّام إلى بَغْدَاد، وهو بَاقِعَةٌ (١) في الحِفْظ لا يُطِيقُ مُذَاكَرته أحدٌ، ثمّ انْصَرَف إلى خُرَاسَان، ووَصَل إلى وَطَنهِ، ولا يَفي بمُذَاكَرته أحَدٌ من حُفَّاظنا.
قال: وسَمِعْتُ أبا عليِّ يَقُول: قال لي أبو بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق: يا أبا عليّ، لقد أَصَبْتَ في خُرُوجكَ إلى العِرَاق والحِجَاز، فإنَّ الزِّيادَهَ عِلى حِفْظكَ وفَهْمك ظَاهِرة، ثمّ إنَّ أبا عليّ أقام بنَيْسَابُور إلى سَنَة عَشرٍ وثَلاثِمائة يُصنِّفُ ويَجْمع الشُّيُوخَ والأبوَابَ وجَوَّدَها، ثمّ حَمَلَها إلى بَغْدَاد سَنَة عَشرٍ ومعه أبو عَمْرو الصَّغير، فأقامَ ببَغْدَاد وليس بها أحْفَظ منه إلَّا أنْ يكُون أبو بَكْر بن الجِعَابِيّ فإنِّي سَمِعْتُ أبا عليّ يَقُول: ما رَأيْتُ من البَغْدَاديِّيْن أحْفَظ منه.
(١) رجل باقعة: حاذق ذكي عارف. لسان العَرَب، مادة: بقع.